رقصة السلام
السلام رقصة، مثل التانغو، تحتاج لطرفين حتى تتم روعتها، حتى يكتمل جمالها، وإذا ما تلكأ طرف، وإذا ما أخفق أقل الإخفاق، ماعت الرقصة وقبح أداؤها مهما زان أداء الطرف الآخر، واليوم وقد ذهبت السكرة وأتت الفكرة، حان وقت التفكير الحقيقي ومواجهة الواقع بكلام واضح مكشوف.
العنف أنواع، ليس أسوأه الجسدي وإن كان أخطره وأكثره مباشرة، فالعنف ليس قنبلة تنفجر ولا مسدسا ينطلق ولا سكينة تغرز فقط، العنف كلمة، العنف إهانة، العنف تحقير وبث كراهية، كل تلك صور للعنف لا تخلو منها الممارسات الدينية للبشر. تشير السيدة كوثر الأربش، والدة البطل محمد الذي استشهد في تفجير مسجد القديح في مقابلة قديمة لها إلى مفهوم العنف اللغوي هذا، مؤكدة أن الممارسات الشيعية اليوم لا تخلو منها كصورة من صور العنف الديني، فاليوم لا يوجد ضحايا ولا يوجد مجرمون، اليوم كلنا ضحايا، واليوم كلنا شاركنا بصورة أو بأخرى في الناتج العنيف.
نادينا وسنبقى ننادي كل وزير تربية بتعديل المناهج وذلك بإزالة كل ما تحتويه من إشارات مذهبية أو طائفية، وإلغاء كل ما من شأنه التمييز بين الجنسين، وبمنع كل ما من شأنه تخويف الصغار أو ترغيبهم بالعذاب أو الرغبات الجسدية. منهج التربية الإسلامية، إن كان لابد منه، يجب أن يحمل استعراضاً تاريخياً ونصائح أخلاقية، لا أن يشير إلى غيبيات الجن والممارسات المتطرفة من تحريم المصافحة وتقصير الدشداشة والإشارات المذهبية من تحريم زيارة القبور وتكفير مبجلي شهر صفر، والتحريضات العنيفة المطاطة المعنى للجهاد ضد “الكفار” وصولاً إلى الضرب في الديمقراطية كنظام سياسي. نريد أن ننقذ النشء، نبدأ من المكان الذي يقضون فيه جل يومهم ويتلقون فيه معظم مفاهيمهم من المدرسة.
وكما ننادي بهذا، ننادي الطرف الشيعي بذاك، بأن يزرع الأهل فكرة التعاضد الحقيقي، وأن تزرع المنابر الشيعية فكرة الاحترام للآخر عن طريق منع لغة الكراهية والمساس المؤذي بالشخصيات السنية المبجلة، يجب أن يأخذ الشيعة خطوة حقيقية فاعلة تجاه تنظيف المذهب بكتبه ومصادره من أي إشارات مهينة تبث الكراهية تجاه الشخصيات الإسلامية المهمة في المذهب السنّي، أن تعلم التاريخ لصغارك من وجهة نظرك نعم، أن تعتقد فلاناً على حق والآخر على غيره لا بأس، أما أن تنتهج لساناً لاعناً لفلان أو علان، فهذا عنف لا يقل أثره ولا يمكن استصغار نتائجه. إنها رقصة سلام بين المذهبين، تحتاج للطرفين السني والشيعي، المؤسسين الأساسيين للخلاف، كي يضبطا النغمة والخطوة حتى يستكملا الطريق بسلام.
ما زالت حرية الرأي، وحرية البحث الفلسفي، وحرية الرؤية التاريخية تجبّ جميعاً ما قبلها، إنما نقول اليوم بهذا التنظيف من الكراهية، من الطرفين، وعلى الرغم من أن بعض الكراهية يدخل في حرية الرأي، لأننا وصلنا مرحلة اقتربت جداً من نقطة اللاعودة. إنه اختيار لنا جميعاً لا فرض، إن تشبثنا بآرائنا المتعادية فسنبقى ندفع ثمنها على غرار ما حصل، وإن أردنا السلام فلنجد الطريق الوسط ونجهر بما نتفق لا ما نختلف، إنه اختيار، فأيهما تختار؟