تحميل إغلاق

رفرفي يا قنبلة

رفرفي يا قنبلة

رفرفي يا قنبلة، أيتها الملساء الممشوقة الممدودة كأنك قدر حزين طويل، رفرفي عالياً، واصعدي، اصعدي واستمري في الصعود، استكملي طريقك للأعلى حيث يليق بك أن تكوني، حيث يجب أن تسكني، في فضاء هذا الكون الحاضر لأن يلتهمك إلى داخله ويبتلعك في ثقب أسود يغيبك في اللامكان واللازمان، يمددك فتتشرذمين إلى ما لانهاية، ويصغرك فتتناهين إلى اللاشيء، وتغيبين في العدم وكأنك ما كنت في يوم.
رفرفي يا قنبلة، تراقصي كبالونة لطيفة، كشمسية ملونة يحملها الهواء بعد أن فتحت قبتها، كفستان زاهٍ سرقته النسائم من على حبل غسيله وارتفعت به محلقة في الهواء. ارتفعي وابقي هناك، في السماء ومن بعدها الفضاء ومن بعده الأكوان، ومن بعدها العدم، ومن بعده ما يكون بعده، المهم ألا تعودي أدراجك، ألا تقرري رحلة هبوط تكفّرنا بإنسانيتنا ومعنى وجودنا وقيمة حياتنا. ولي وجهك يا رشيقة قبلة العدم واشهدي هناك بنفسك أشلاء تشهد على ما صنعت شظاياك.
رفرفي يا قنبلة، لا تستديري عائدة، لا تختاري الأجساد اليانعة والأطراف الصغيرة، تجنبي “الفيونكات” الملونة والقمصان المزهوة بشخصيات الكارتون والأحذية التي تضيء جوانبها كلما دعست الأصابع الصغيرة قاعها. نعم، وتجنبي تلك الأصابع التي بعد لم يكتمل نموها، اعفي عن السيقان المليئة بجروح اللعب والمرح، تفادي الشعور المشعثة بزهو التراكض والقفز، وارحمي الحناجر المرهقة بصرخات وفرحات الطفولة. تمهلي يا قنبلة، لا تلتهمي ألعاب القطن المزركشة، القمصان الملونة والفساتين المكشكشة، حقائب المدرسة المزهوة برسومات سوبرمان وباربي، الأجساد اليانعة الصغيرة بضفائرها المتحررة من عقفتها وأصابعها المليئة بخدوش التجارب الطفولية. أجلي يا قنبلة رحلة هبوطك، واستمري صاعدة بكل كهربائك وكيميائك ومساميرك وشظاياك وموادك الحارقة وواجهي هناك، في الكون السحيق، خصماً يليق بك.
رفرفي يا قنبلة، لا تهبطي على شباب من عمر ابني الوحيد، لا تستهدفي فتيات في ربيع سنوات ابنتيّ، تجنبي من لهم ملمح والدي وروح والدتي، اصفحي عمن تغني التراث أنغاماً مثل عمتي، وعمن تضحك بصخب جريء مثل ابنة خالتي، وعمن يحب أكل المكسرات مثل خالي، وعمن تعشق شرب القهوة مثل ابنة خالي، وعن كل من لها أو له ملمح من إنسان نعرفه، صبغة من صبغات الإنسانية التي تجمعنا. ألا تعلمين يا قنبلة أننا كلنا في الحياة طبائع مكررة، وكلنا في الموت وجع فقد؟ تجنبي يا قنبلة كل أم وأخت، أب وخال وعم، ابن وابنة، جنين ونطفة، تجنبي كتل اللحم والدم تلك، أي عداء تلزمينهم وهم غير كفؤ لك في حرب أو قتال؟
رفرفي يا قنبلة وحوّلي المسار، استمري صعوداً إلى الجنة التي يصفونها أنها دائماً هناك، فوق، مالك والجحيم المغروس في عمق الأرض؟ اصعدي يا قنبلة ودعي الخلق للخالق، لا تلتهمي أطراف الأطفال، لا تأكلي أنصاف وجوههم، لا تقطعي أصابعهم، لا تستقري بمكر الشظايا في صدورهم، لا تسرقي أعينهم، لا تخطي جروحاً غائرة على جلودهم. رفرفي يا قنبلة، وإذا وجدت طريق الجنة هناك في الأعلى كما حكى لنا الحكاؤون، فأومضي للحظة هناك في السماء، ربما، ونحن نشهد كل هذه الوحشية والظلم والقهر والموت والفناء، ربما، فقط ربما، نصدق أن هناك معنى، أن هناك هدفاً نبيلاً أخيراً.
رفرفي يا قنبلة صعوداً غير ناكص، كوني شريفة مرة في حياتك المتوحشة وابتعدي عن هذا الفحش الذي إليه يرسلونك، وإذا كان ولا بد، إذا كان هبوطك حتمياً فلك في رؤوس الشر خير مستقر، واحد في “تل أبيب” وواحد في واشنطن وواحد في لندن، واحد فقط يا قنبلة، لا تفتحي باب شراهتك، لا تحصدي، على عادتك اللئيمة، الأبرياء هناك. رفرفي يا قنبلة، ودعينا لحياة أصعب من الموت، ألا يكفيك ذلك انتقاماً؟

اترك تعليقاً