رغم أنف زوجي
في العموم، ليس دمي خفيفاً، آخذ معظم الأمور بجدية، ولا أعرف كيف لشر البلية أن يضحك، لكن حادثة بصق النائب الجويهل في جلسة الخميس الماضي خففت دمي الثقيل، فجلست أتداول النكت مع رفاق الأسى على “تويتر” بعد امتناع زوجي عن مبادلتي الضحك والمزحات. فكعادته، جلس بدشداشته المخططة على مكتبه واستمع إلى جلسة مجلس الأمة كاملة، قال شيئاً أو اثنين من تحت أسنانه، أعطاني ابتسامة مقابل كل ضحكي الصاخب، ثم وضع سماعاته على أذنيه آملاً في شيء من ذوقي وحسن فهمي لتلميحه الواضح. أما أنا فلم أكن أكاد أستطيع أن أتحكم في ضحكي، للحظة كتابة هذا المقال، أقهقه بصخب يقترب من الهيستيريا، أحاول أن أحبس صوتي، فتترقرق الضحكات في عيناي دموعاً، ثم تتحشرج في حنجرتي كأنها نقيق ضفدع. كلما حاولت أن أهدأ فأعيد لنفسي شيئاً من ثقلها ولصوتي شيئاً من أنوثته أمام زوجي، أقرأ تعليقاً أو أسمع تصريحاً على القنوات المرئية والمسموعة المعروضة كلها في مكتبنا فتكر سبحة الضحكات الشرسة ليرفع زوجي ذقنه ويهز رأسه أن لا حول ولا قوة إلا بالله.
لا أريد أن أقلبها دراما، فأقول أنني أضحك من بلاء أفقدني الاتزان، في الحقيقة أنا أضحك لأن الموقف غاية في الكوميديا، مع كامل الاحترام لموقف الدكتور مطر ومشاعره، لكنني أعتقد أنه بعد أن يهدأ هو نفسه، سيتمكن من رؤية مدى هزلية الموقف. ألا نستحق شيئاً من الضحك نحن، أم أن الله كتب علينا البلاء والهم بعد انتخابنا لهذا المجلس دون أدنى فرصة لشيء من التفريج عن النفس؟ نتخيل معاً، مجلساً يتراشق طائفياً، يتشاتم عائلياً، يتراقع يدوياً، مجلس قبلي طائفي بحت، “أخل بالممارسة”، كما أشار الزميل ضاري الجطيلي في مقاله الرائع ليوم الخميس الماضي، “لأنه استبدل مطالب المواطن المراد منه تلبيتها بمطالب أخرى غيبية، وحرف مفهوم النيابة من تكليف شعبي إلى تكليف إلهي” فأخذ يشرع لليوم الآخر زاهداً، ما أتقاه، في الدنيا، ثم يأتي أحد نوابه فيختمها ببصقة، وكأنه يلخص الوضع، ويقيم الحال ويستنتج المستقبل.
في أحوالي العادية، ما كنت لأرى الموضوع مضحكاً، ولكانت سخرية الآخرين منفرة بالنسبة لي ومهينة، لكن الأحوال ليست عادية، والبلد وضعه ليس عادياً ومجلسه ليس عادياً، فلم أكون أنا عادية؟ عندما تهبط أسهم البلد في مجال ما، تتدهور كل مجالاته الأخرى، كسبحة تكر حباتها، فتتساقط جميعاً ما إن تفلت واحدة، لذا، هبطت في كويتنا حتى أسهم الدعابة، وأصبحت بصقة في مجلس الأمة هي مصدر الضحك الوحيد في نهاية أسبوع جاف، مليء بالشتائم النيابية، والإهمال الحكومي، والأجواء الترابية. سأضحك إلى أن تنفقع مرارتي، بالرغم من وقاحة الموضوع وسوء ردة الفعل، سأضحك لأنني أرغب فعلاً بالضحك، ولأنه لم تتبق ردة فعل غيره، سأضحك، على الرغم من تأفف زوجي، و”إذا مو عاجبه”، يغير المجلس، أو “يفكها شوي”، على حد تعبير إخواننا المصريين ويبدأ بالضحك معي.
“آخر شيء”:
أقترح وضع تحذير قبل بث جلسات مجلس الأمة على التلفزيون بعدم صلاحية هذا العرض للأطفال تحت سن الثامنة عشرة، أو تأخير عرض الجلسات لما بعد الثانية عشرة ليلاً حرصاً على أخلاق النشء وعلى عاداتنا وتقاليدنا.