رشيدة
إبان حراك المشاركة-المعارضة الذي صورته الحكومة للشارع على أنه حراك إسلاميين وقبليين ضد الوطن ووحدته، وأن الليبراليين (إن وجدوا) قد غُرِّر بهم أو أخذهم الغباء، كما كان يحلو للكثيرين وصف توجههم نحو قرار المقاطعة.
بالطبع لا يمكن لأي مراقب للساحة المناورة حول أخطاء المعارضة الفادحة وحول فساد الكثير من رموزها وتدهور علاقاتها الداخلية وأنانية ترتيبها، مما أطاح بها في وقت قصير بمساعدة تكتيكات حكومية شبه ذكية وبمساندة شارع مشحون مهيج.
والآن وقد وصلنا إلى هنا، حيث الحراك المفتت والجمع المشتت، والجنسيات المسحوبة والرموز المحبوسة والمغردون المسجونون، الآن وقد جلست الحكومة تحتفل بانتصارها على وقع أنغام صمت الشارع، فلم يعد أحد يتكلم إلا أقل القليل، بعد حفلة سحب الجنسيات والاعتقالات، ماذا ستقدم لنا الحكومة التقدمية الوطنية المتفتحة؟
أولاً تقدم لنا الحكومة اتفاقية أمنية تجمعها بشقيقاتها الخليجيات على اختلاف هذه الشقيقات في ترتيباتها السياسية، وفي درجة التزامها بالديمقراطية (إن وجدت)، دون وضوح حقيقي لتوجهها، فهل هي تحمي أمن الشعوب، أم هي تحمي أمن الأنظمة من الشعوب؟ تقدم لنا الحكومة باقة من القضايا ضد الرأي، فالقلة القليلة التي بقيت جريئة في فتح فمها، أغلقته لها الحكومة، لأن أمن الوطن أهم، ولأن كل من يتحدث ناقداً هو ناقم يغامر بأمن الوطن في “هذا الوقت الحرج”، وإلى اليوم لم يظهر وقت غير حرج نستطيع أن نتحدث فيه، كل أوقاتنا حرجة، ما شاء الله.
هذا ومنذ فترة، تقدم الحكومة وتؤخر في قانون الإعلام الإلكتروني، الذي لن يسمح لأحد بأن يظهر بياض أسنانه دون ترخيص من الحكومة، ففتح أي موقع إلكتروني سيتطلب ترخيصاً، حتى لو كان حساباً على “تويتر” أو “إنستغرام”، وما أجمل من القانون إلا أن نجلس جميعاً أمامه ونراه قيد التنفيذ، فتجاوزاً للإساءة البالغة التي فيه تجاه الحريات والخصوصيات وتناسياً للعذابات الموعودة منه تحت مظلة البيروقراطية التنفيذية، بودي أن أشهد التكتيك الذكي لتنفيذه، كيف ستتحكم الحكومة في الفضاء الإلكتروني وتمنع الناس فتح مواقع شخصية؟ وإذا كان الموضوع سينحصر في معاقبة من يفتح موقعاً دون ترخيص، فهل ستمتد العقوبة إلى من يفتح الموقع وهو خارج الكويت؟ وإذا كان غير كويتي ولكنه مقيم في الكويت، فهل تنطبق عليه العقوبة ذاتها؟ والآن تقدم لنا الحكومة أيقونة تقدميتها، وذلك من خلال دفاعها عن قانون منع الدراسة المشتركة “بكل قوة” كما جاء في “القبس” ليوم 17 ديسمبر، فالحكومة “تؤكد السعي إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية”، حيث أكدت “أن الجامعة ستكون نموذجاً لباقي المؤسسات في التطور ومنع الاختلاط”، وبينت “أن هذا القانون يعبر عن توجه الدولة في السعي إلى التطبيق الكامل لأحكام الشريعة الإسلامية في جميع أوجه الحياة، ويحقق كثيراً من المزايا لمؤسسات التعليم العالي، ويصبغ الحياة بالصبغة الشرعية”… هل أفنّد هذا الرأي، لا لن أفنده، عار، لو فعلت وهو على ركاكته، عظيم، سأجلس وأنتظر إقرار القوانين، ثم بكل الشوق سأتابع تنفيذها.
الحكومة وهي توقع اتفاقيتها الأمنية، الحكومة وهي تبني سوراً إلكترونياً تحشر الناس (لا أدري أي ناس وفي أي مكان جغرافي) فيه، الحكومة وهي تطور الجامعة وبقية البلد بمنع الاختلاط، لأننا الآن، وتحديداً الآن، بعد أحداثنا الدامية الأخيرة، من تفجيرات وخلايا وما إلى ذلك، بحاجة إلى الإمعان في تطبيق الشريعة، لكي نمعن في الحوار حول طبيعة هذه الشريعة وأحكامها، الحكومة وقد تخلصت من الرجعيين وتفرغت لنا لتطور البلد، هي حكومتنا، رشيدة من يومها.
«آخر شي»:
أسحب مطالباتي المستمرة بتعديل المناهج، إذا كانت هذه رؤية الحكومة، أنا أقول “خلينا” على مناهجنا حتى لا يأتي ما هو “أكثر منهجية” منها.