خليك في حالك
ما علاقتك أنت بموقف حقوقي إنساني في مجتمع لا تنتمي له؟ تعليقك يا سيد أبو تريكة هو خطاب كراهية، وهو لا علاقة له بقيم أو أخلاق أو مبادئ، ذلك أن القيم والأخلاق والمبادئ ليست حصرية عليك وثقافتك ومجتمعك، أنت لا تحددها للبشرية كلها ولا تملك فرضها على العالم أجمع.
فكما أن لك منظومتك الأخلاقية لغيرك منظومتهم الأخلاقية التي قد تتضارب مع منظومتك وتتناقض معها، إما تعيش بسلام مع بقية العالم أو تعيش في صراع محاولاً أن تفرض أخلاقك على الآخرين، وهذه معركة خاسرة بكل تأكيد.
وليست الدعوة هنا، حتى يكون الكلام واضحاً، هو لأن تغير أنت نظرتك تجاه الفئات الجندرية المختلفة أو أن تؤمن بأخلاقية وصحية ممارساتها، ليس هذا المطلوب وليس عكسه كراهية.
أي أن عدم تأييدك لاختيارات الناس الخاصة أو لأسلوب معيشتهم أو لهوياتهم الجندرية أو العرقية أو الدينية أو الاجتماعية، ليس تحديداً هو الكراهية، قد يكون ضيق أفق أو جهلاً أوعدم إلمام بالجانب الديني أو العلمي أو الثقافي للموضوع، لكنه ليس كراهية بالمعنى الكامل.
متى تتحقق الكراهية؟ حين تخرج أنت في برنامج رياضي لا ناقة له ولا بعير في القضايا الثقافية الجندرية لتستعرض عضلات رأيك حول موضوع اجتماعي إنساني مطروح في مجتمع غير مجتمعك، والقائمين عليه أناس ليسوا أناسك، وما يحركه هو منظومة أخلاقية مغايرة لمنظومتك، فمالك أنت وبأي حق تملي على مجتمع آخر بأكلمه فرضياتك الأخلاقية؟ وبأي حق تفرض على مجتمعك كاملاً، والذي قد لا يتفق جله مع معاييرك الأخلاقية والقيمية، هكذا مقاطعة؟ ومن أي منطلق وبأي منطق تفرض على قنوات رياضية مستفيدة من البث مقاطعة هؤلاء الفرق والأشخاص بسبب اختياراتهم الشخصية ومواقفهم الحقوقية؟
لديك في منظومتك ما يكفيك لتتعامل معه يا سيد أبو تريكة، الله يرضى عليك. ابق في منطقتك فهي ملغمة ولا تفتح عليك باباً لن تستطيع إغلاقه.
هل تعدد الزوجات وزواج الصغيرات وملك اليمين ونعت غير المسلمين بالكفار وغيرها من الممارسات الشائعة والقادمة من قلب المنظومة الأخلاقية العربية المتأثرة ببعض القراءات الإسلامية، لا لب الدين الإسلامي، لطيفة مثلا؟
وهل يستطيع لاعب ما أن يخرج محتجاً على منظومتكم الأخلاقية (سواءً أعلنتم تأييدها أو مارستموها خفاءً) رافضاً التعامل معكم أو بث مبارياتكم قبل تطهير ساحة لاعبيكم وكتم صوت منظومتكم الأخلاقية؟
هؤلاء أفراد يعيشون في المستقبل بالنسبة لنا، علومهم ومنظومتهم الحقوقية (لا السياسية بالطبع) واتساع دائرة الاستحقاق الإنسانية عندهم أكبر من استيعابنا وتصورنا.
هل اطلعت على العلوم والأبحاث التي تتكلم عن التعدد الجندري والتي تسائل أصلاً صحة تقسيم الجنس البشري إلى ذكر وأنثى مثلاً؟ أم أن ذكر مثل هذه الأبحاث والدراسات بحد ذاتها تشكل صدمة بالنسبة لك؟ ليس فرضاً عليك أن تؤمن بمنظومتهم ولا علومهم ولا مساحاتهم الحقوقية والحرياتية، كل المطلوب هو أن تتركهم لشأنهم، لدينا في الداخل العربي ما يكفي من الأقليات ومن كل التصنيفات التي تستطيع حضرتك نقدها وضربها واضطهادها.
لماذا تتدخل في نشاط حقوقي أبعد من علمك ومتناقض ومنظومتك؟ الناس تحترم رفضك وتحريمك واستحرامك وحتى كراهيتك، أنت حر، لكن أحداً عند الغرب “الكافر” لن يقبل ترويج هذه الكراهية وتشجيع الناس على عزل وعدم قبول الآخرين على أساس أي هوية كانت: جندرية، إثنية، دينية أو غيرها.
ثم أن حجة “ماذا نقول لأبنائنا” ماعت وذهب طعمها وأصبحت، ونحن نسمعها، كأننا نسمعك تعلك مطاطاً بين فكيك. التلفزيون غير مسؤول عن تربية أبنائك، والدولة برمتها غير مسؤولة عن تربية أبنائك، وفي كل الشوارع العربية، بما فيها المصري، أحداث ومشاهد تخرب أجيال بأكملها، إلا إذا حضرتك تنقل أبناءك بالهليكوبتر حتى لا يتعرضوا لما يسوؤهم ويسوؤك.
منظر أطفال الشوارع والشحاذين والمشردين، منظر الخناقات اليومية والمتحرشين، مناظر القمامة المتناثرة والعشوائيات المرعبة، إلى غيرها من المناظر التي تملأ الشوارع العربية، يفترض أن ترعبك على أخلاقيات الأبناء أكثر ألف مرة من شريطة ملونة على يد أو معقوفة في حذاء رياضة.
هل يا ترى تمنع الأبناء من مشاهدة فيلم فيه شرب خمر أو زيارة لكنيسة أو غيرها من التصرفات الخارجة عن منظومتك الأخلاقية؟ هل تحظر عليهم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي المبنية أصلاً على فكرة حريات ممتدة لا نهائية، تذهب إلى أبعد من خيالك العربي المحصور بالمحاذير والمحرمات والخطوط الحمر؟
حضرتك تربي أبناءك وتزرع فيهم منظومتك وقيمك لتكون قادرة على الصمود حتى حين تغيب أنت بممنوعاتك وتوجيهاتك، أو هكذا يفترض للوضع أن يكون، ذلك أنك لن تقص العالم من “بترون” على مقاس قيمك وأخلاقك، كل ما تملك هو أن تحصن أبناءك بإقناعهم بارتداء ثوب أخلاقي من صنعك وعلى مقاسك يحتمون به أياً كانوا وحيثما ذهبوا، ويا حبذا لو ارتدوه “بشياكة” بلا كراهية وإقصاء وعنف للآخر.
“هم على خطأ يحتمل الصواب وأنت على صواب يحتمل الخطأ”، لربما تزرع ذلك في صغارك حتى يستطيعوا أن يتعايشوا في دنيا تكبر وتتسع وتتلون وتتغير كل يوم. لا تشعرهم بالغربة عن بقية البشر وإن اختلفوا عنهم، هذه أكبر خطيئة نرتكبها بحق الأبناء.
لا داع لبث الكراهية تجاه الآخر، يكفي جداً رفض أسلوب حياته والخروج خارج منظومته القيمية والتعايش بجانبها وبمنحى عنها وبسلام.
لا قدر الله أن يحيى الإنسان في هذا الشرق الأوسط بوجهه الحقيقي وبأسلوب حياتيّ من اختياره، لابد لنا كلنا أن نلبس أقنعة طوال الوقت، ولا أتصور للحظة أنك بحد ذاتك تستطيع أن تنكر قناعك أياً كان نوعه. ولكن يبقى أن ارتداء القناع من إزالته اختيار حياتيّ كذلك، قد يسهل الحياة علينا جميعاً في محيطنا القاسي الجاف.
ويا سيدي لما يبقوا ييجوا هؤلاء يلعبوا في ملاعب مصر إبقى امنعهم واشرط عليهم أن يطولوا الشورتات حسب القياس الشرعي وأن يغضوا النظر في الملعب.
إذا أتوك إلى عقر دارك، افرض منظومتك عليهم وعلى بقية أهل بلدك والعالم العربي كله، فهي أصلاً منطقة “متعودا” بلسان عادل إمام. ولكن وفي خضم ذلك لا تنسى أن دولتك بأكملها تتعامل اليوم سياسياً واقتصادياً مع دول أخرى يقودها أناس، من خلال مراكز سياسية حساسة، متعددي الهويات الجنسية، أم أنك ستطلب من مصر قطع العلاقات الدبلوماسية خشية على أخلاق النشء الله يحفظهم؟