«حق الشماتة يا سعد»
كان يهمني أن ينفصل الحراك عن كل المفسدين، بمن فيهم أقطاب المعارضة وإن قووا، وكان يهمني أن يستمر هذا الحراك ويقوى بتوحيد الصفوف والتعالي على الخلافات، وكان يهمني تحقيق أهداف هذا الحراك باستمرار العمل وتمديد خططه، ولكن كل ما كان يهمني سقط في «غياهب الجب»، لتظهر بعد ذلك القمصان مشقوقة دامية والذئب ليس منها ببريء.
في مقابلة أخيرة لي مع د. سليمان الهتلان، مقدم برنامج “حديث الخليج” على قناة “الحرة”، وأحد أفضل مقدمي البرامج في عالمنا العربي وأكثرهم ثقافة، سألني الدكتور: ما هي المشاكل الأكثر بروزاً على الساحة الكويتية التي أعتقد أنها بحاجة إلى تعامل مباشر؟ ولقد أدهشتني إجابتي وأنا أسمعها بعد ذلك؛ فقد عددت بعض المشاكل الاجتماعية والإنسانية والفكرية، لكنني لم آتِ إلى مشكلة المعارضة والمشاركة، أو بالأحرى إلى ما خلّفته هذه المشكلة من انشقاق في الصف الكويتي، لقد اختفت المشكلة، أو تلاشت أعراضها أو توارت مخلفاتها، وما بقي منها إلا ذكرى حزينة لحراك معارض مقاطع مشوش، لم يستطع أن يتماسك حتى وهو في أوجه.
ولطالما قلنا إن أقطاب المعارضة لا يقلون فساداً عن “المتعارض معهم”، ورددنا أن خراب هؤلاء يماثل، إن لم يَفُق، خراب أولئك، ولكنه المبدأ الذي كَتب علينا الاصطفاف في ذات الخانة، وهذا حديث طويل قديم ماعت أواصره، لكن ما كنت أؤمن به في ذلك الوقت، وهو الذي مازلت أنعاه اليوم، هو الحراك الليبرالي المقاطع، هؤلاء الشباب الرائعون الذين أصروا على قول لا، لكنهم قالوها ثم توقفوا عندها، وربما كلنا توقفنا عندها ولم نأخذ خطوة واحدة بعدها، يا شماتة الشامتين فينا.
لا يهمني مسير البراك والطبطبائي ومجموعتهما، لم أؤمن في يوم إلا بخراب نهجهم، وكنت حين أنتقدهم يتهمني البعض بشق صف المعارضة، غير عالمين أنها مشقوقة مبطوطة مبطوحة، لا تحتاج إلى بضع كلمات من شخصية غير ذات أهمية سياسية مثلي لشقها، ما يهمني كان حراكنا الوطني الليبرالي، إن صح التعبير، كان يهمني أن ينفصل هذا الحراك عن كل المفسدين، بمن فيهم أقطاب المعارضة وإن قووا، وكان يهمني أن يستمر هذا الحراك ويقوى بتوحيد الصفوف والتعالي على الخلافات، وكان يهمني تحقيق أهداف هذا الحراك باستمرار العمل وتمديد خططه، ولكن كل ما كان يهمني سقط في “غياهب الجب”، لتظهر بعد ذلك القمصان مشقوقة دامية والذئب ليس منها ببريء.
لست أقصد جلد الذات، وأكاد أجزم أنه “لا فائدة ولا عائدة” من حديثي هذا أصلاً، فنحن حراك لا يرى مشكلاته ولا أعتقده يريد أن يراها، حراك متسامٍ عن الشارع، لكنه لا يستطيع أن يتسامى دقيقةً على خلافاته، حتى وإن كان من أجل مصلحته العامة، نحن لا نؤمن مطلقاً بمبدأ “أنا وأخي على ابن عمي” وهو “كفر” أخلاقي حميد، ولكننا لا نؤمن لدرجة أننا “أنا وأخي” انقلبنا أصلاً على بعض، فتفرق الحراك وهو للتو يبدأ. دخلنا “الموقف” ولدينا مشكلة مع الحكومة وأسلوب النظام، خرجنا منه ولدينا مشكلة مع الحكومة وأسلوب النظام ومع بعضنا ضد بعض، فابتعدنا أميالاً، ليس فقط عن أهداف الحراك، ولكن كذلك عن توصيفنا الذي طالما أوعزنا به إلى أنفسنا، فنحن “ليبرال” لا نحتمل الخلاف في الرأي، نحن الشيء ونقيضه، نحن كنا ولم نعد.
كيف غفلت عن ذكر المشكلة للدكتور سليمان؟ لربما لم تعد مشكلة؟ هل ما عدت أهتم لها؟ أفَقدت حماستي أنا كذلك بعد أن تصارعت الأقطاب وانهزمت القضية؟ ستعود الأطراف الليبرالية المقاطِعة إلى الساحة السياسية، هو خيارها الوحيد حالياً بعد أن تخلت عن حراك منظم مخطط واضح الأهداف، كان يجب أن يكون وما كان في يوم. بقي لها أن تعود، وتحاول، وكل واحد يقول “ياالله نفسي”، فنحن لا نعرف كيف نلعب في فريق، نحب اللعبة الفردية، هي الوحيدة التي نجيدها، أعتذر إلى “الجماعة”، لربما احتجنا في يوم أن نواجه أنفسنا لنتعرف على الأقل على دورنا في الهزيمة، لربما وقتها نستطيع إصلاح شيء ما.