حسـد
كيف لنا أن نحل مشكلة نحن لا نعترف بوجودها؟ هرست أقلامنا موضوع الوجود الداعشي وقبله الوجود القاعدي وغيرهما من «الوجودات» الإرهابية الطاغية تحليلا وتمحيصا وتدليلا واستنتاجا، فنجد أن الأقلام العربية الإسلامية دوما ما تدور حول ثلاثة محاور لا رابع لهم، المحور الاسرائيلي، المحور الإيراني والمحور الأمريكي، حيث أصبح أولهم، المحور الإسرائيلي، موضة قديمة حلت محلها موضة المحور الأوسط الإيراني الذي هو آخر صيحة في عالم الخطط التآمرية على الدول العربية، فيم استمر المحور الأمريكي الأخير قديما متجددا، كلاسيكيا لا تختفي موضته الشهية.
اللافت أننا دوما ضحية، جالسون في مكاننا لا بنا ولا علينا، لتنهمر علينا المصائب والكوارث من حيث لا نعلم. دوما نحن محل أنظار الطامعين، محسودون من العالم جله، فتجد دوله وقد تركت حالها ومحتالها وتفرغت لحياكة المكائد ضد شرقنا الأوسط المنكوب. القاعدة صناعة أمريكية، و»داعش» دسيسة «أمريكايرانية»، ضياع الثورات العربية سببه المكائد الإيرانية والتمويل الغربي، «حزب الله» إيراني، «الإخوان المسلمون» أمريكان، القراءات المتطرفة في الدين إسرائيليات، إسرائيل تتعاون مع أمريكا، أمريكا تتحالف تحت الطاولة مع إيران، إيران تتفاض سرا مع إسرائيل، وكل ذلك يحدث نكاية بنا واستهدافا لنا.
نرفض نحن أن نبحث عن لب المشكلة، لربما لأن في مواجهتها ألما وفي تغيير ظروفها عناء، وفي إصلاحها مشاقا لا نود حملها على أكتافنا. لربما البحث عن لب المشكلة سيفتح علينا بابا يفسح الطريق لريح صرصر ونحن الذين عشنا حيواتنا نقول «الباب الذي تأتيك منه الريح سده واستريح». لربما البحث سيجبرنا على تغيير أفكارنا ومساءلة قديسينا والتشكك في ثوابتنا، وهذه كله حراقة مؤلمة، لذا تجدنا نلف وندور على المحاور الثلاثة، فإلقاء اللوم عليها منفردة أو مجتمعة أسهل بكثير من مواجهة حقيقة أننا المتسبب الأكبر في الدمار والمنعش الرئيسي له.
سيقولون جلد للذات، وسأقول ليتها تجلد ألف مرة علها تفيق من إغمائها، فما فائدة «ذات» ناعمة الجلد ميتة العقل خاوية المعنى؟ المشكلة ها هنا، وحتى المستورد منها نحن من فتح لها الباب ووقعنا عليها استلاما. المثل يقول «امشي عدل يحتار عدوك فيك»، ونحن لم نمش يوما في خط مستقيم، نتلوى ونتأرجح، نطبش ونخبط، وإذا ما لم نجد أحدا نتعارك معه نلتف على بعضنا البعض. حياتنا صعبة، حكوماتنا شمولية، ظروفنا قاهرة، كرامتنا مسحوقة بأحد أواخر الظواهر الاستعمارية في العالم، ولم نتوقف للحظة ونتساءل، لم نحن من دون كل البشر؟ هل يمكن أن يكون العيب فينا؟ هل أتينا ما يستوجب كل هذا الأسى ويعمقه؟ لا، هي دوما أمريكا وصوحباتها، وما نحن سوى ضحايا.
حتى يتحقق شيء من الإصلاح نحتاج إلى حرية، حتى يستطيع المفكرون أن يستعرضوا آراءهم دون خشية وأن يواجهوا ونواجه معهم مشاكلنا دون وجل، وحتى تتأتى الحرية نحتاج إلى مواجهة القهر، وحتى تتحقق المواجهة نحتاج إلى شجاعة، ولن تستقر الشجاعة الا اذا حاسبنا أنفسنا أولا وقبل كل شيء. فقط عندما نواجه حقيقة أننا المذنبون بحق أنفسنا، فقط حينها سنأخذ خطوة جديدة مستحقة منذ أكثر من ألف سنة إلى الأمام.