تقطير وتبخير
ما لن يعود هو زمن سكوت الكويتيين البدون عن تدهور أوضاعهم الإنسانية والحقوقية، فتصنيفهم ببطاقة ملونة يذكر بتصنيفات لونية بائدة لأنظمة شمولية ولى زمنها في قرننا الحالي الذي بنى ثقافته أولاً وقبل كل شيء على مبادئ حقوق الإنسان.
مذهل جداً توجه الحكومات العربية، ذات المنهجية التي طالما بدت وكأنها منصوصة في “كتالوج” موزع على كل هذه الحكومات، فيتشابه التطبيق لحد مرعب وكوميدي في ذات الوقت، فكأن الزمان لا يمر، وكأن الدنيا لا تتغير، وكأننا لا نطلع على أمور جيراننا، وكأننا لا نفقه مغزى ما يقال لنا، ففي حال حدوث أي نوع من الثورات أو الاحتجاجات الشعبية، يقول الكتالوج، على الحكومة القيام بالتالي: أولاً تقول للشعب إنها لا ترضى بالفوضى وستضرب بيد من حديد، ثانياً تقول للشعب إنها تحبه وترعى مصلحته و”إننا اليوم” وإلى آخره، ثالثاً تضرب بيد من حديد، رابعاً تقطع وسائل الاتصال، خامساً تغلق قنوات الإعلام، سادساً والذي يحلق فوق كل النقاط السابقة من بدايتها لنهايتها تبث، عبر إعلامها “المرتب”، الأغاني الوطنية وصور البهجة المحلية وتتجاهل الأحداث الشارعية تماماً في تحقير مباشر وتصغير صارخ للشارع.
الدنيا تتغير والاتصال يتطور والوعي ينمو والحكومات لا تزال تتبع الكتالوج تتبع العابد المجاهد، وها هي قناة “اليوم” تغلق بسبب تكنيكي في أسلوب قديم ممجوج لا يتعب نفسه حتى في أن يتنكر أكثر ليخفي وجهه القديم الغابر. ومما لا يحتاج أن نقوله هو أننا نأمل لو أن القانون طبق على الجميع، ولو أن الحكومة توسلت هذه التفاصيل لعمقها مع الجميع بالتساوي، لكن ليس هذا هو ما يحدث، وليس هناك ذرة تقدير للشعب في محاولة لإخفاء ما يحدث. ولو كنت من الحكومة، لأبديت أولاً وجهي الحسن ونيتي الطيبة القانونية، فأرسلت تحذيراً للقناة، ثم أعلنته، ثم لعبت معها، في هذا الوقت بالذات، لعبة “أنا الحكومة الديمقراطية” فتركت قنوات المعارضة مفتوحة “ولو من ورا قلبي”. لكن لا، فالكتالوج أبقى وأهم وإن سقط بمواده ووسائله وأساليبه عشرات المرات أمام الحكومات، شيء ما فيه ساحر، مقدس، يعد بزمن لن يعود.
وما لن يعود كذلك هو زمن سكوت الكويتيين البدون عن تدهور أوضاعهم الإنسانية والحقوقية، فتصنيفهم ببطاقة ملونة يذكر بتصنيفات لونية بائدة لأنظمة شمولية ولى زمنها في قرننا الحالي الذي بنى ثقافته أولاً وقبل كل شيء على مبادئ حقوق الإنسان. ولكن، بما أن الحديث عن العنصرية اللونية والاضطهاد البغيض والتصنيف البائد للبشر ببطاقات ستكون مصدر خزي وألم وإهانة لهم عوضاً عن أنها مصدر إثبات شخصية أو وسيلة للحصول على الحقوق الإنسانية، بما أن هذا الحديث لا يفيد مع حكومتنا ذات الكتالوج، فقد يكون الأحكم توجيه سؤال عملي: صاحب البطاقة الحمراء الذي تنتهي مدة بطاقته، ماذا ستفعلون به؟ ما هي الخطة القادمة للتعامل معه؟ وإذا لم تنفع عملية “تحليله وتقطيره”، فهل هناك تقنية “لتبخيره” فور انتهاء صلاحية بطاقته؟
لا أدري كيف لبدون يحمل البطاقة الحمراء أن يظهرها في أي جهة خدماتية، لا أدري كيف سيكون رد فعل مستقبل البطاقة، ويمكنني فقط أن أتخيل حجم الإهانات والترويع الذي سيلحق بصاحبها، ولا يمكنني أن أتخيل سبباً واحداً يمنع من استصدار بطاقة مدنية عادية يكتب فيها “غير محدد الجنسية” دون تمييز لوني مهين، خصوصاً أن التصنيفات موجودة في ملفات الجهاز المركزي، وستحتفل بعيد ميلادها الثلاثين قريباً على ما أعتقد، فلمَ إهانة الناس وتعريضهم للمزيد من الأذى حتى إن كنتم لا تعتقدون أنهم من مستحقي الجنسية؟
هناك حلول بسيطة، وهناك خطوات مستحقة، وهناك خطط لطيفة ستحسن من صورتكم الحكومية وبأقل التكلفة الممكنة، الخطوة الأولى، تخلصوا، تحرروا من الكتالوج.