تعميم
كم واحد منا سكت وقال هذا ليس من شأني، ولن أدخل نفسي في مشاكل، واليد الواحدة لا تصفق، وما عساني أفعل وحدي؟ كم واحد منا خبأ رأسه تحت الوسادة، فسار مع القطيع وقال قولهم ومثّل دورهم ولعب على أوتار كلامهم حتى لا يطردوه خارج دائرتهم؟ فكل حادثة إرهابية مروعة تمر علينا تستوجب منا مراجعة تعميمية على تصرفاتنا.
كتبت على «تويتر» أن المسلمين لن يقدموا أكثر من جملة «ليس هذا العمل من الإسلام في شيء» بعد حوادث تفجيرات تركيا، وأعدت ذات التغريدة بعد حادثة نيس قبل أيام، والتي بثتها وكالات الأنباء على أنها حادثة إرهاب ديني، وإن ما زالت التقارير متضاربة حول طبيعة دوافع مرتكب الجريمة. تتردد علينا ذات الجملة الدفاعية تلك ويتكرر ذات الحديث المشابه لذاك الذي لعبدالله والذي كتب رداً عليّ يقول «لا نعمم على أنفسنا يا دكتورة،» وأنا في حين أنني أتفق وعبدالله في ظلم وعدم حيادية التعميم عادة، إلا أنني أصر على أهمية التعميم وعدله في هذه الفترة الكئيبة من الزمن. كل حادثة إرهابية مروعة تمر علينا تستوجب منا مراجعة تعميمية على تصرفاتنا، على الإصغاء والسكوت والقبول وحتى على الاحتجاج الضعيف. من منا لم يوجد في باحة مسجد، كما قال المغرد bigbaba26، وقد لعلع فيها دعاء إمامه أن «اللهم شتّت شملهم ورمّل نساءهم ويتّم أطفالهم» ليشهد البقية وفي الغالب هو معهم رافعين الأيادي «اللهم آمين»؟ من منا لم يمر عليه درس تربية إسلامية يحرض على اليهود و»النصارى» سارداً قصص سبيهم وانتصارات المسلمين الغابرة عليهم؟ من منا لم يمر عليه برنامج ديني يظهر فيه ملتح مكفهر الوجه ليخبرنا عن كفر الغربيين وفسوقهم ووجوب محاربتهم؟ من منا لم يقرأ كتاب تراثي إسلامي معتبرا عند عموم السنّة أو عموم الشيعة ينادي بإعداد العدة لأعداء الإسلام، بوجوب معاداتهم وعدم مخالطتهم وإن أمكن إسالة دمائهم؟
طيب في الكويت، عشان الأسئلة وأجوبتها تكون محصورة أكثر، من منا كان له رد فعل حقيقي وقوي عندما خرج هذا المتدين يكفّر العلمانيين والليبراليين؟ من منا اشتكى المنهج الدراسي للصف الثاني عشر على سبيل المثال الذي يقول في إشارة لمعنى آية كريمة أنها «بيان مكر اليهود والنصارى والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان» وحول آية كريمة أخرى أنها «تحريم مناصرة ومحبة الكافر ولو كان أقرب قريب» وأن «المؤمن يقاتل أعداء الله ورسوله حتى ولو كانوا أقرب الناس إليه»، وحول آية كريمة أخرى أن «الكفر ملة واحدة والكافرين إخوان ولا أمان لهم» وغيرها وغيرها؟
كم واحد منا سكت وقال هذا ليس من شأني، ولن أدخل نفسي في مشاكل، واليد الواحدة لا تصفق، وما عساني أفعل وحدي؟ كم واحد منا خبأ رأسه تحت الوسادة، فسار مع القطيع وقال قولهم ومثّل دورهم ولعب على أوتار كلامهم حتى لا يطردوه خارج دائرتهم؟ كم منا قال آمين خلف رجل دين يتلفظ الدماء، وقدّس كتابا تراثيا مليئا بالعنف، وحفّظ أبناءه منهجا محشوا بقصص القتل والسبي وكراهية النصارى ومحبة الموت في سبيل الدفاع عن الدين؟
كلنا قد فعلنا، أعتقد، كلنا بلا استثناء، وعليه كلنا مسؤولون، كلنا بلا استثناء، وحتى نثور فرداً فرداً، ستبقى أيادينا ملطخة، ويبقى تعميم الاتهام صحيحاً وتعميم الحزن والأسى واقعاً لا مفر منه.