بلطجة
لم تجذبني في السابق نظرية التآمر المتنفذ على مجلس الأمة والتي من خلالها يسعى بعض “الكبار” إلى تكفير الشعب بجدوى الحياة البرلمانية، فأنا أؤمن بألا منفذ لعقل أو قلب إنسان إلا بإرادته، فلا يمكن لحملة منظمة أن تأخذ حيزاً في حياتنا إلا وإن كنا، كشعب، “واربنا” الباب وأطللنا برؤوسنا في فضول وشيء من القبول سمحا بدخول الشر وفتحا باب التكفير البرلماني. ولكن، المشهد السيريالي للحياة السياسية في الكويت يشير بقوة إلى هذه النظرية، فلا يمكن أن تبرز هذه الكمية من الفساد، ثم تلتصق خفية أو علناً بأسماء نواب وأحياناً وزراء، لا يمكن أن تخرج هذه الكمية من التصريحات المسيئة، غير المدروسة، بل والمتضاربة مع القوانين والدستور من أفواه البرلمانيين، لا يمكن أن يغض القانون طرفه عن ممارسات يتحدث بها الشعب علانية بل ويتخذها مادة لكوميديا سوداء تعكس يأسه، لا يمكن أن ينحدر الإعلام ومواده في أغلبيتها بهذه الصورة المثيرة للشفقة إلا إذا كانت هناك خطة منظمة حقيقية لإنهاء الحياة الديمقراطية لمصلحة دكتاتورية سياسية دينية تحول الكويت إلى لقمة ممضوغة ليبتلعها أحد الأفواه المفتوحة حولها.
تلك الأفواه مشرعة، تلتمع أنيابها من بعيد، تنتظرنا ليأكل بعضنا بعضاً، فتسمن أجسادنا وتتبلد مشاعرنا فنصبح الوجبة الأدسم لها. ألم يأكل بعضنا بعضاً بعد أحداث البحرين، وعوضاً عن أن نفكر في البعد الإنساني للقضية جلسنا “نتلاشط” بالعقل و”نتكامش” بالشعور، ليخرج نوابنا، نخبة السياسيين في البلد، ليصرخوا في وجه الحكومة أن ترسل من يحمي القوات البحرينية المسلحة من الشعب الأعزل، ولمن يرغب في الاطلاع على “المصاب الأعظم” فليقرأ تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” الذي تم إعلانه في لبنان ومتوافر الآن على الصفحة الرئيسية للمنظمة. وما أن انتهينا من “لوك” بعضنا بعضاً على نغم أحداث الجارة البحرين، حتى بدأت وليمة جديدة مسمنة، فدقت الطبول وتراقص المتراقصون على جثث إخواننا في سورية، فكما أن البحرينيين دسيسة شيعية، فإن السوريين دسيسة “إخوانجية”، ليخرج علينا النائب حسين القلاف مشيداً بالقائد البطل بشار الأسد وليصدح آخرون تمجيداً ببطل المقاومة نصيره وعضيده.
طبعاً هذه وجبة لا يمكن أن يفوّتها “الطرف الآخر” في برلماننا المريض بهم جميعاً، فخرجوا كعادتهم فاغري أفواههم، الزبد على أشداقهم، والعقل في أياديهم، يستصرخون الناس وكأننا في عصر لا ميكروفون فيه ولا سماعات، قارعين طبول الحرب حاملين الرماح، ليخرج علينا النائب محمد هايف بتصريح يحمل تهديداً للسفير السوري، ناخراً، كعادته، أسس القوانين، وباقراً بطن الدستور، حتى وكأنه لم يبق سوى أن يحمل “قافلة” سيوفه ورماحه، ويذهب لإسقاط الأسد عن عرشه ويحرر الأمة الإسلامية بأسرها بسيفه البتار، هذا السيف الذي تحول إلى سكينة بلاستيك تجاه القمع البحريني، كما تحولت عمامة السيد القلاف إلى “بقجة” تجاه البشاعة السورية.
تتوالى الأخبار المرئية والمسموعة بعد أن وقفت الأنظمة عاجزة عن إيقاف تدفق الحقيقة من خلال إعلام وتكنولوجيا سيأخذان بحقنا وينتقمان لنا من سنوات التغييب والجهل التي سجنتنا فيها هذه الأنظمة. بقي أن ننتبه نحن للمؤامرة المحاكة من حولنا، لهؤلاء الذين يسنون السكاكين ويلمعون الشوك ويقدمونها لنا ليأكل بها بعضنا بعضاً حتى إذا سمنا وتبلدنا وتحولنا من بشر إلى وحوش انقضّ علينا الخارج، مؤامرة نرى بوادرها اليوم من خلال تصريحات برلمانية مخزية تساند هذا النظام كأنه المخلص، وتدافع عن ذاك كأنه علامة نهاية الزمان، بل وتؤيد آخر وتطالب، بكل “عرض وجه”، بضمنا إليه وإنهاء استقلالنا السياسي وحيادنا الديني… الذي في يوم كان.
كلمة أخيرة لنوابنا الأفاضل: هددوا على “قد القد” يا سادة، فأنتم لا تمتلكون قوات جرارة ولا مقامات سياسية عالية ولا كلمة عالمية مسموعة ولا وجهاً سمحاً أو حكمة يُشهَد بها، ولا عتب إلا على من يوصلكم إلى المكان الذي أنتم فيه ثم يوصلنا إلى المآل الذي نحن فيه، سئمنا حديثكم المعفر بتراب الصيف، فمتى يأتي الربيع؟
“آخر شي”: السيد وزير التربية، قبل فترة هددت عمداء الجامعة بأن يتصرفوا ويقبلوا الأعداد المتقدمة لكراسي الجامعة، واليوم تقول لا حل، يعني سامحت العمداء أم ما زالوا تحت التهديد؟