اليوم يومك
كل قوانين الأحوال الشخصية تمييزية تقريباً وفي حاجة إلى تعامل سريع وتغيير جذري، وتبقى النظرة المجتمعية، التي لا تتجلى إشكالياتها في نظرة الرجل إلى المرأة فقط، بل في الجزء الأكبر منها، في نظرة المرأة إلى نفسها وبنات جنسها، في رضوخها لموروث موغل في القدم يعاملها على أنها مخلوق أقل، بل يقنعها بأنها أقل.
للمرأة تاريخ طويل مع الاضطهاد، لربما بدأ مع بدء الوجود الإنساني على الأرض، والذي كان يعزو الغلبة والقيادة لمن هو أقوى جسمانياً، وكان ذلك هو الرجل في أغلب الأحيان، استمر هذا التصنيف ممتداً عبر الزمن، تفصل فيه القوى الجسدية دائماً، وحتى عندما تمدن الإنسان وتحضر وارتقى عن الحياة البدائية للكائنات الأقل تطوراً منه، فإنه استمر في تقديس قوة الجسد وفي تحكيمها كعامل تصنيفي بين الجنسين.
وهكذا تشربت الأديان هذه الفكرة بدفع من التفسيرات الإنسانية المختلفة، في تركيبتها الهرمية، وضعت كل الأديان الرجل على قمة الهرم، يملك ويتحكم ويقود، في حين تركت المرأة في موضع التابع المؤتمر، تطيع وتسمع، هي دائماً “ملتحقة” برجل ما، لا تملك أمر نفسها، لا تورث لقبها (لربما تختلف اليهودية في ذلك)، لا توصّى على أولادها، بل ولا حتى تزوج نفسها.
هذا المنطق البدائي الموغل في القدم لا يزال هو ما يحكم علاقة الجنسين في السنة الخامسة عشرة من القرن الحادي والعشرين، ولا تزال فكرة القوة الجسدية، وإن لم تكن واضحة كعامل فصل، هي المحددة لأنماط الحياة وموازين القوى. وعلى الرغم من مسيرة المرأة النضالية الطويلة بحثاً عن حقوقها الإنسانية ولاحقاً المواطنية، فإنها لا تزال تفتقر لما هو في الواقع من أساسيات هذه الحقوق.
في الكويت يعتقد الكثيرون أن المرأة قد اكتمل بدر حقوقها بحصولها على تلك “السياسية”، في حين أن الحق السياسي ما هو في الواقع سوى أداة لتأمين الحقوق الإنسانية والمواطنية، والتي هي شديدة الانتقاص في بلدنا. لا تتساوى المواطنة الكويتية بنظيرها الكويتي في اكتمال أهليتها، فلا هي وصية على أولادها، ولا تتحصل على حق السكن الكامل للأسرة إذا لم يكن في أسرتها رجل، والطامة الكبرى، لا تورث أبناءها انتماءها الوطني.
تعاني المرأة الكويتية الإهانة يومياً وهي تحاول تأمين وجود زوجها وأولادها “الأجانب” في بلدها، في حين يؤمن الكويتي الجنسية لزوجته (بعد زمن يطول أو يقصر حسب قوة وساطته) ولأبنائه (تلقائياً) بما يضمن استقرار الأسرة والالتئام الدائم لشملها.
أما قوانين الأحوال الشخصية فتتجلى فيها أشد صور التفرقة والتمييز بين الجنسين، فتبقى المرأة تحت الوصاية فلا تزوج نفسها إذا كانت بكراً في أي عمر تصله، كما يبقى سلاح الطلاق نصلاً حاداً في يد الرجل وحده يقبض أو يسرح بواسطته، وأحياناً يذل به ويعوق حياة المرأة بل يوقفها تماماً. كل قوانين الأحوال الشخصية تمييزية تقريباً وفي حاجة إلى تعامل سريع وتغيير جذري، وتبقى النظرة المجتمعية، التي لا تتجلى إشكالياتها في نظرة الرجل إلى المرأة فقط، بل في الجزء الأكبر منها، في نظرة المرأة إلى نفسها وبنات جنسها، في رضوخها لموروث موغل في القدم يعاملها على أنها مخلوق أقل، بل يقنعها بأنها أقل، وأنها أصغر شأناً وأعظم آثاماً وأبعد منطقية، تبقى هذه النظرة هي فحوى معركة المرأة الحقيقية، في تغييرها نقطة انطلاقة نحو تفعيل حقوق المرأة كاملة، والتي لن يكتمل بدرها إلا عندما تتمكن المرأة من تغيير النظرة المجتمعية البائدة لها ونظرتها هي الاستصغارية لنفسها.
كل عام والمرأة في الكويت والعالم أجمع بكل خير.