الكويتيون الرومان
كانت المجتمعات الإغريقية والرومانية، وتحديداً الأخيرة، غير ذات رحمة بساستها، فإذا ما أحب الناس هؤلاء الساسة كانوا يجعلونهم أبطالاً وآلهة، وإذا ما غضبوا عليهم نزلوا عليهم بسكاكينهم رمزياً وفعلياً؛ حتى يفتكوا بهم فتكة مريعة. هذا التطرف الساحق هو أحد الأشياء النادرة التي نشترك فيها ككويتيين مع الإغريق والرومان، فإذا ما أحببنا سياسيا أصبح بطلاً نحلف برأسه، وإذا ما انقلبنا عليه فقولوا على روحه يا رحمن يا رحيم.
والزمان دوار، ليس هذا زمن السلف والإخوان، إذ أصبح لهم من الأعداء- ويا لسخرية القدر- أضعاف الأحباب، وأصبح ينظر إليهم على أنهم مخربون، وفي أحسن الظروف انقلابيون، وأصبح المجتمع بأكمله ينتظر الفرصة لينزل بسكاكينه، وليست حكومتنا بأفضل من شعبنا، إن لم تكن محركة هذا الشعب بهذا الاتجاه الانتقامي المقيت. وبالعموم أصبحنا نحن شعباً مضطرباً متشككاً، لا يتحرك الشخص منا إلا وله نية مريبة، ولا يتخذ قراراً وإلا له منه منفعة، ولا يقدم على عمل إلا وتحركه المصالح والمفاسد، كل هذه الظروف أراها تكالبت على د. علي العمير، وزير النفط الحالي، فالسيد الوزير ينتمي إلى فئة أيديولوجية انكمش حظها هذه الأيام، ويعمل في حكومة تنكمش عند أي تهويش، وسرعان ما تتخلى عن “أهل بيتها” طلباً للسلامة وإسكاتاً للألسن، وكأنها تخفي شيئاً لا تود لأي لغط إظهاره، فحق عليها مثل “يكاد المريب أن يقول خذوني”.
لست طبعاً أدعي علماً بالقطاع النفطي، ولكن هذا الاتهام الماطر للدكتور علي العمير غير مقنع، وأنا هنا أعتمد المنطق في سير الأمور وعلمي اليسير بالظروف العامة وعلمي الأيسر بطبيعة الدكتور، فالدكتور ليس ابن الأمس، الرجل مخضرم في السياسة وذو باع، لن يأتي بحركة تجديدية ضخمة وتعيينات متسعة لأصحابه وأقربائه بهذا الشكل العلني والمفضوح، فلو كانت حركة تنفيعية، لكان أكثر حرصاً على تغطيتها وتكميمها، وعلى الرغم من أنني أكاد لا أتفق مع الدكتور أيديولوجياً في شيء، فإنني أعرف عنه التزامه بما يؤمن حد التحجر، وانضباطاً في العمل، وانتظاماً على ما يعتقد من مبادئ، أختلف في الواقع في جلها معه.
أن يأتي الدكتور بحركة مفضوحة ركيكة كهذه، وأن يتخلى عن تصلبه بشكل مباغت، ليسا بتلك القصة المقنعة، وعليه فقد تواصلت معه بالرسائل النصية وطلبت منه توضيحاً حتى لا أضيع بين الشائعات وأصبح جزءاً من ماكينة تناقل الاتهامات، فبيّن الدكتور أنه لم يرغب في التوضيح “حتى لا يظن أن الموضوع فيه تجاذبات شخصية”، وأكد أنه لم يخرج عن حيز صلاحياته مستشهداً بالمادة 130 من الدستور، المرسوم 78 لسنة 2007 المادة الثالثة، وأخيراً قانون إنشاء مؤسسة البترول الكويتية رقم 6 لسنة 1980 مادة 13 التي تنص تحديداً على أنه “يتولى إدارة المؤسسة مجلس إدارة يشكل برئاسة وزير النفط، ويصدر مرسوم بناء على “عرض وزير النفط” ببيان كيفية تشكيل واختيار عضوية أعضاء المجلس وتعيين نائب للرئيس من بينهم وعددهم ومدة عضويتهم”، وهي المادة الأكثر إيضاحاً لمسألة أن د. العمير، في تحركه، لم يخرج عن دائرة صلاحياته.
طبعاً، لم يشبعني الجواب، فسألته مجددا بأنه حتى لو كان ذلك ضمن صلاحياته، فما أسباب التغيير؟ فأكد الدكتور أن التغيير لم يتعرض للقياديين “لا الرئيس التنفيذي ولا الأعضاء المنتدبين ولا رؤساء الشركات”، مؤكداً أن التغيير تم “بمجلس الإدارة وهو يجتمع كلما دعت الحاجة أحياناً كل شهرين أو ثلاثة”، كما أكد الدكتور أن “ليس بالمقترح الذي قدمته أي أصدقاء أو أقرباء”، واعتذر الدكتور عن المزيد من التوضيح لربما لضيق وقته وصعوبة الحوار النصي على التلفون أو لأي سبب آخر. ما زلت غير متيقنة بالطبع من الحقيقة التامة للموقف، ولكن من المثير أننا، ما إن بدأ “الصولو” الغنائي حول موقف د. العمير، حتى تبعت الفرقة الكبيرة، فنزل الجميع ضرباً بالوزير، في حين اختبأت الحكومة سريعاً خلف الستار، فلا نحن فهمنا ولا نحن علمنا، وكان الله بالسر عليماً.
في الواقع أنا أكدت على السيد الوزير أنني “أعتقد بواجب المسؤولين إيضاح مواقفهم، إن لم يكن تثبيتاً لاستراتيجياتهم فعلى الأقل لوقف القلاقل في الشارع”، وأنا هنا أكرر مطلبي من السيد الوزير، وضح موقفك، واكشف عن التغييرات بشفافية، واخرج علينا بمؤتمر صحافي، فالسرية والصمت أسلوبان سياسيان بائدان، كما أرفع صوتي للحكومة: وضحي موقفك، فإن إيجاباً فلمَ، وإن سلباً فعلامَ؟ كما يجب على متهمي الوزير إيضاح تهمهم تفصيلياً مرهونة بالأدلة، والحجة على من ادعى، أما أن تنزل الاتهامات جزافاً وبكلام إنشائي قديم من نوع “الوزير يستنفع، الفساد يعم” وغيرها من جمل لا تأتي بدليل ولا تحتكم لمنطق، فما سينتج عنها سوى الأذى وزيادة القلاقل في بلد “مقلقل” أصلاً.
لربما الوزير يعوم في فساد السياسة، ولربما لا، منطق ما أراه يقول “القصة ما تركب”، بل عكسها هو المنطقي أكثر، تغييرات في مناصب أزعجت أصحابها المخضرمين فنزلوا قذفاً بالوزير، ولكن كل شيء جائز، فهل من توضيح يقينا شر التخمين والظنون؟
والآن أنا بانتظار قراءة لنيتي خلف كتابة هذا المقال، أكيد إما منفعة شخصية، أو خطة فارسية، لن أعترف.