الغمندة
اليوم لا يوجد في الكويت بدون، كما قال السيد صالح الفضالة، كل الموجودين وافدون، لا بل هم «مقيمون بصورة غير قانونية»، وهكذا فهمنا “الغمندة” من تسمية الجهاز بهذا الاسم الغريب الذي يدين الدولة في الواقع “الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية”.
هذه السيدة عليها مؤشر جنسية بلجيكية، بصورة أو بأخرى اشترت هي وعائلتها جوازا بلجيكيا منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة، وأبقوه في حوزتهم مدة سنة واحدة، ثم ألغوه خوفاً من تبعاته، واليوم، على الرغم من أن أوراق أسرتها تثبت وجودهم في الكويت منذ أيام الروبية، من ثلاثينيات القرن الماضي، وأن لوالدها صوراً باللباس العسكري وهو رجل وافته المنية أثناء ساعات عمله العسكرية الرسمية، حيث انتقل إلى رحمة الله وهو في مقر عمله، فإن إنجاز أي معاملة لهذه السيدة أو أسرتها في الجهاز المركزي يتطلب منهم الإقرار بالجنسية البلجيكية.
سألتها كيف تقرون بالجنسية؟ هل المطلوب منكم استصدار جواز مزور آخر أو مجرد الإقرار بتوقيع، قالت إنها لا تعرف تماماً، لكن المطلوب تثبيت هذه الجنسية، والتي يتحدث أصحابها اللغات الهولندية والفرنسية والألمانية، لتكون هي كذلك بلجيكية تتحدث في يوم وليلة كل أو إحدى هذه اللغات. ثم يقال لنا على صفحات الجرائد عدد كذا ألف من البدون عدلوا أوضاعهم.
ولهذه السيدة ابنة أخت اشترت هي الأخرى وعائلتها جوازاً أرتيرياً، هذه السيدة للتو أنجبت طفلاً وهي غير قادرة على مغادرة المستشفى حيث المطلوب منها مبلغ 1300 دينار كويتي تكاليف العملية ومبلغ 70 ديناراً كويتياً عن كل يوم قضته في الجناح العمومي، لماذا؟ لأنها وافدة أرتيرية، هي ليست بدون الآن. هذه العائلة العالمية، اللهم لا حسد، شيء أرتيري وشيء بلجيكي والله أعلم أي جنسيات أخرى لديهم، كلهم تم تشجيعهم حكومياً، نعم حكومياً، لشراء جوازات مزورة، لتنتهي صلاحية جوازاتهم ليذهبوا إلى سفارات هذه الدول لتجديد الجوازات ليتم رفضهم طبعاً لأن الجوازات مزورة ليعودوا مجدداً للجهاز المركزي ليرفض استقبالهم بحجة أنهم اليوم ليسوا بدون، هم وافدون، معدلون لأوضاعهم، لتخرج علينا الصحف اليوم التالي بالأرقام الرنانة: كذا ألف من البدون عدلوا أوضاعهم.
عملية خداع ممنهج، ليس للبدون فقط، ولكن لنا نحن ككويتيين كذلك، يحرضون البدون على شراء جوازات مزورة، ليرفعوا هؤلاء من قوائم البدون ويضيفوهم في قوائم الوافدين، وحين بدأت القضايا تُرفع وتُكسب من قبل البدون، رفض الجهاز المركزي التنفيذ، أو نفذ على مضض ثم عاد عن تنفيذه، وحين تعقدت الأمور أكثر وأكثر، لأن التطور الطبيعي للقرارات المريضة أن تتعقد ويتطور مرضها ليصبح عللا مزمنة، توجه الجهاز المركزي لحيلة جديدة وهي قسر كل بدون على التوقيع على تعهد بصحة كل ما في بطاقاتهم الأمنية المجددة والذين يذهبون لاستلامها من الجهاز وذلك قبل الاطلاع عليها، كل من يذهب للجهاز ليتسلم بطاقته عليه أن يقر أولاً أن كل معلومة وضعها الجهاز على هذه البطاقة صحيحة تماماً. طبعاً الأغلبية الغالبة من البدون الذين استلموا هذه البطاقات المجددة تحصلوا على جنسيات مختلفة على بطاقاتهم، بمن فيهم أصحاب إحصاء 65 وبمن فيهم من كانت ملفاتهم سابقاً كاملة وتامة وحاضرة للتجنيس الفوري. اليوم الكل تحصل على جنسية “بشخطة” قلم من الجهاز، اليوم لا يوجد في الكويت بدون، كما قال السيد صالح الفضالة، كل الموجودين وافدون، لا بل هم “مقيمون بصورة غير قانونية”، وهكذا فهمنا “الغمندة” من تسمية الجهاز بهذا الاسم الغريب الذي يدين الدولة في الواقع “الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية” والذي يدين الدولة لإبقائها على المقيمين بصورة غير قانونية في البلد وإنشاء جهاز لهم عوضاً عن ترحيلهم. الاسم الغريب يعكس هذه الخطة العظيمة، تحويل كل بدون في الكويت الى مقيم بصورة غير قانونية بصورة تدريجية، وذلك عن طريق الدفع بهم لشراء جوازات مزورة، قسرهم على الاعتراف بجنسيات، ليّ أذرعتهم للتوقيع على تعهدات لم يروا معلوماتها، وغيرها من الطرق، لينتهي الوضع ليصبح كل فرد بدون “مقيم بصورة غير قانونية،” ولتخرج علينا الصحف اليوم التالي بالأرقام الرنانة: كذا ألف من البدون عدلوا أوضاعهم.
أي عقل أي منطق أي سياسة أي إجراء مدني أي قرار حكومي أي أسلوب حل يقترب من أي درجة من المنطقية يقبل أو يتجاوب وما يحدث في البلد؟ كيف تتآمر حكومة بأكملها على أطراف مستضعفة لتحولهم بالخديعة والتحايل شيئا شيئا من وضعهم كعديمي جنسية الى وافدين مقيمين بصورة غير قانونية، وإلى أي اتجاه سنذهب بعد ذلك؟ هل سنجبر بلجيكا أن تعترف بأم علي (اسم رمزي للسيدة أعلاه) أم سنعتبر أم علي وعلي وكل الأجيال القادمين من بعدهم بلجيكيين وافدين مقيمين في الكويت بصورة أو بأخرى رغم أنف بلجيكا وحكومتها؟ لندع الإنسانية والعدل والضمير جانباً، أي منطق يا بشر في هذه الحيلة وأي نتيجة إيجابية للبلد لهذا الخداع؟
أتمنى أن تكون الصورة وصلت، من تعددهم الصحف بناءً على تصريحات الجهاز المركزي على أنهم عدلوا أوضاعهم، أي اعترفوا بجنسياتهم التي كان يخبئونها، هم في أغلبهم الأعم من هذه الحالات، أصحاب جوازات مزورة يحملون الآن جنسيات من النوع المذكور أعلاه. تقتنعون أيها السيدات والسادة أن بلجيكية أتت تخترق الحدود الكويتية و”تقط جوازها” وتعيش ضنكاً في بيوت تيماء الصفيحية حتى تتحصل على الجنسية الكويتية؟ تقتنعون أن ابنة أخت أم علي أرتيرية فعلاً؟ بالمنطق يعني.