الأوزون المثقوب
نحن مجتمع غريب، لا نختلف في مشاكلنا عن بقية المجتمعات الإنسانية لكننا نتميز عنها بتناقضنا العجيب، نعيش الشيء ونلبس نقيضه، نقول الشيء ونفعل عكسه، نهلل لشيء ونتلبس ما يخالفه. في الأيام الماضية، وبعد جريمة المارينا الشنعاء بحق شاب في العشرينيات من عمره، وعوضاً عن أن نجد بحثاً عن ظاهرة الطعن في المولات التي انتشرت مؤخراً في مجتمعنا حتى عدنا لا نأمن خروج أبنائنا إلى هذه الأماكن العامة، عوضاً عن أن نبحث في مصدر الغضب، سبب انتشار العنف، أسباب تغيب الأمن عن أماكن تجددت فيها الجرائم، الظروف النفسية التي بسببها تتجدد الأحداث المؤسفة، دور المدرسة، دور البيت، دور الإعلام، عوضاً عن بحث جاد في مشكلة العنف المتفشية، نمسك نحن بتلابيب بعض، ولأننا نريد خلاصاً سريعاً للمشكلة، فلابد أن نجد لها مسبباً سريعاً، لابد أن نجد مجرماً متوحشاً نركله بكلماتنا واتهاماتنا حتى يخر صريعاً هو وعشيرته بأكملها، ونرفع نحن فوقه راية النصر، وكل واحد يروح بيته.
فمنذ أن انتشر خبر الجريمة المتوحشة، بدأت الاتهامات تنهال على بدون الكويت كالعادة. طبعاً، هم وراء مشاكلنا جميعاً، هم السبب في تفشي الفساد وتأخر المشاريع التنموية وانتشار “الواسطة” وازدحام الطرق واهتراء الخطوط الجوية الكويتية وارتفاع معدلات درجات الحرارة واتساع ثقب الأوزون، و”مو بعيد يكونون هم من خرمه”. وبذلك نرتاح، كلنا ما شاء الله كاملين والكامل الله، وما مشاكلنا سوى من هؤلاء المئة ألف الذين يحيا أغلبهم خلف “أسوار” الصليبية والجهراء في عششهم المزرية، يجلسون يتآمرون علينا ويتجرؤون ويختلطون بنا في مولاتنا الفارهة ليدمروا علينا حياتنا الكاملة الفاضلة.
نحن مجتمع متناقض، يغطي رأسه ويعري جسمه ويصرخ بالفضيلة بأعلى صوته. ليس هناك من إساءة لشخص الشاب المتوفى رحمه الله وطعن في قلب أسرته أكثر من تلك الاتهامات التي انتقلت من شخص البدون القاتل إلى كل المجتمع البدوني في الكويت. إهانة للمغدور وعائلته، أن يؤم المجتمع رأسه تجاه عنصرية قاتلة معرضاً عن تدارس الأسباب الحقيقية ومواجهة النواقص والمشاكل التي أسست لهذا العنف وأمنت له انتشاراً واستمرارية. أحد الجناة كويتي، والآخر بدون، إلا أن الأسهل أن نغمض العين اليمنى عن الكويتي و”نبقق” اليسرى على البدون، يصبح لدينا ليس فقط متهماً، بل مئة ألف متهم “نفش” غلنا وغضبنا فيهم في ذات الوقت الذي نحفظ فيه سمعتنا الملائكية ككويتيين. شاب آخر، ضحية جديدة، ونحن في عنصريتنا نسبح، ترى كم شاباً آخر سيضيع من بين أيادينا ونحن نغني ذات الأسطوانة ونرقص ذات الرقصة؟
كيف يمكن لمجتمع أن يلهج بالدين والأخلاق صباح مساء حتى ليرجم بلسانه كل من تسول له نفسه أن يسأل أو يسائل أو يتساءل، ثم ينسى قاعدة بسيطة أساسية تقول “ولا تزر وازرة وزر أخرى”؟ كيف تتلاصق المساجد على أرضنا، وتنتشر حملات الحج في ربوعها، وتصوم الأرض ومن عليها قهراً وبقوة القانون في رمضانها، قنواتها تبث شيخاً بعد آخر، مناهجها تنقلب كلها دينية سنة بعد أخرى، ولا يزال الفساد يعج ربوعها، و”الواسطة” تنهش أخلاقها، والعنصرية تخنق رقبتها؟ فيأتي من يراسلنا صباحاً مساءً بأدعيته ونصائحه الدينية برسالة: “شفتوا؟ قلت لكم الجاني بدون”. أي تناقض نعيش بين مظهرنا وجوهرنا، أي تغييب نعاني وأي ضياع نغوص في أعماقه؟
إما أن نترك العنصرية أو نترك الأخلاق والدين، فالجمع بينهما كالجمع بين الأختين، مدمر للسمعة والشرف قبل كل شيء.