أيام سعيدة
كل الأحداث الخارجية تنعكس سلباً علينا داخلياً، تتفجر نزاعات طائفية بيننا تشير إلى ركاكة العواميد التي تقيم مجتمعنا وضعف القواعد التي تقوم هذه العواميد عليها، نقف اليوم كشعب صغير على أرض دولة واسعة الغنى، تتوافر لها مقوماتٌ ما سبق لها أن اجتمعت لبقعة صغيرة وبهذه الكثافة، إلا أننا لا نقف كتفاً بكتف، نحن نقف متحفزين، غاضبين، محملين بإرث ثقيل من الخلافات العقائدية والعرقية الآخذة في تهديد كل مكتسباتنا وإنجازاتنا.
كل ما تحقق لهذه الأرض، فجعل منها بقعة مختلفة عما حولها، آخذ في الاضمحلال؛ حرية الرأي وتحررنا الصحافي اللذان طالما تشدقنا بهما على جيراننا أنزلا بنا اليوم عدداً كبيراً من القضايا، وفتحا باب السجون لشباب لم يأتوا بأكثر من إرسال تغريدة أو كتابة مقال، والانطلاقة الأدبية التي طالما كانت تتفجر من أرضنا أصبحت اليوم تعرج على عكازاتها بعد أن أعملت وزارة الإعلام سيف المنع والحجب في أعمال أدبية تنشر وتعرض للبيع في معارض كتب أشد الدول التزاماً بين جيراننا.
وإنجازاتنا وتنميتنا اللتان كانتا علامة فارقة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أصبحتا الآن مصدر تشكك ومورد حرمنة، وفي أفضل حالاتهما ضرباً من خيال، ومجلس أمتنا الذي كان مصدر قوتنا كشعب وعلامة فارقة على مشاركتنا في إدارة البلد، أصبح مائعاً متهدلاً، مثله مثل أي إدارة حكومية أخرى، لا تمثل الشارع الحقيقي ولا تعبر عنه.
وحدتنا كشعب وتعاضدنا اللذان طالما سقنا مثال “الكويتيين أثناء الغزو” للتأكيد عليهما هما الآن في مهب الريح، تعصف بهما أي أحداث خارجية، فيهمّ بعضنا ببعض تجريحاً وتسفيهاً وأحياناً تكفيراً، وعوضاً عن أن نضع ظهورنا في ظهور بعض نصد عنا الخطر الخارجي، نلتفت نحن إلى بعضنا بعضا قابضين على ياقات الدشاديش وأكمام الفساتين وأطراف العباءات، نلوح ونجرح وندمي، حتى ما عاد في القلب مكان ينبض بفرح.
نحن في خطر، خطر جسيم، وجسامته تقبع في أنه داخلي لا خارجي، نحن نقف على أرض لينة، تحوطنا حوائط كلها شروخ، يعلونا سقف آيل للسقوط، ولمن يعتقد أن تلك كلمات مبالغ بها، فليتذكر أن حرب الخمس عشرة سنة في لبنان بدأت بكلمة، وأن الكثير من الأحداث من حولنا بدأت من مستصغر الشرر، فكيف نستهين بحوار تبدأ طائفيته من مجلس أمتنا ومن تصريحات صحافتنا؟ وكيف نتوقع استمرار الهدوء ونحن، جماعات وفرادى، ننفخ في الرماد كل يوم يتطاير في أعيننا ويهيج الجمر المخبأ تحته؟
حزينة هي هذه الأيام التي امتلأت بأنباء القتال والدماء، حزينة هي هذه الأيام التي أشعلت فتيل الحوار المريض بين الأصحاب والأحباب، حزينة هي أيامنا دوماً، ومتى رأى العرب والمسلمون أياماً سعيدة؟