أمان مريض
هي ظاهرة بكل تأكيد تستحق التمحيص والدراسة والاهتمام، لماذا هو الطالب (والطالبة) المقيم، غير الكويتي، أكثر كفاءة واجتهاداً ومثابرة من نظيره الكويتي؟ لماذا ينفر الطالب الكويتي من القراءة والاطلاع؟ وكيف يستطيع باستمرار تجنب أداء الواجبات والمتطلبات، سالكاً الأساليب الأقصر، والأسرع نتيجة والأقل أخلاقية، للوصول للدرجة؟
أسباب عدة تحكم هذه الظاهرة، في رأيي، وتغذيها. أولاً، لغياب المعاناة واستتباب الشعور بالأمان دور كبير في “تكسيل” الفعل والضمير العامين، فحين يستتب شعور مبالغ فيه بالأمان يتهدل أداء الإنسان وكذا يفعل ضميره الذي يفترض أن يحمي هذا الأداء وينعشه. لست هنا أرمي لضرورة “صنع معاناة” للمواطنين لترغمهم على تغيير أساليب حياتهم، إنما المقصد هو التقليل من التدليل المواطني الذي من شأنه أن يصنع شعوراً غير مستحق بالأمان وكسلاً مطبقاً يخنق كل فرصة أو رغبة بالتميز. فمن خلال “ميزة” الصعوبة الجمة لفصل الموظف الكويتي من عمله مهما ساء أداؤه، تُصنع بيئة مريضة من الأمان إن صح التعبير، بيئة قاتلة للرغبة في العمل الجاد الذي لا يتهدده كسل أو تقاعس. لمَ يجتهد الكويتي ويثابر في دراسته إذا كان ضامناً للوظيفة؟ ثم لمَ يبادر في أداء مهامه الوظيفية إذا كان آمناً في موقعه؟ لمَ يضع في اعتباره أوامر رؤسائه وجدية مهامه إذا كان راتبه مضموناً ووظيفته محروسة بجنسيته؟ لمَ يعمل إذا كان هناك من هو أضعف وأقل أمناً منه ملزماً وراضخاً لحمل عبئه والقيام بعمله؟
هنا تزحف علينا الواسطة كثاني سبب لهذه الظاهرة المحزنة، لتعود علينا الأسئلة المنطقية المحزنة تقرع أجراسها. لماذا يجتهد الطالب الكويتي ووالداه حاضران للدفاع عنه والتوسط له والتخطي به لأي مصاعب دراسية بكل الصور المعقولة والمرفوضة، وكأن مادته العلمية مجرد حجر عثرة لا مادة غذائية عقلية تبني الإنسان وتؤهله لوظيفة المستقبل؟ لماذا يتعب الطلبة إذا كان لأهاليهم الجرأة على الخروج اعتصاماً ضد إجراءات دراسية اتخذت ضد الطلبة الغشاشين، مطالبين الحكومة باعتبار هؤلاء الغشاشين “عيالكم” ومراعاة أن أحداً لا يمكن أن يصل إلى مرحلة الدكتوراه بلا غش ولو مرة في حياته. لماذا يدرس الطالب إذا كان الغش قد تحول لظاهرة مقبولة ومتوقعة لدرجة أنها تشكل إحدى أكبر المشاكل الدراسية الاجتماعية في بلدنا؟
لا تكتفي الواسطة بهذا الكم من الأذى، بل هي تزحف لحماية المتمتعين بها خلال مرحلة توظفهم وما بعدها، فتجد الطالب الغشاش ذاته وقد استحوذ على وظيفة لا يستحقها بالواسطة واستمر تطوراً وترقياً وعلواً فيها بالواسطة وانكب تقاعساً وغياباً وإهمالاً لها بالواسطة، حتى تختل وتتضعضع جهة عمله، لينتشر فيها الفساد وتضعف منها القوائم، ويتحول المكان بموظفيه الى عالة على المجتمع لا إضافة أو معين له. إبان كل ذلك، سيصل لصاحب الواسطة، الذي كان تلميذاً بالواسطة ذات يوم، راتبه كاملاً، بكل الضرر وبكل الضرار، دون أدنى التفاتة أو شعور منه، ولا لوم عليه في ذلك أو تثريب، فطريقه ممهد من يومه، أهله وحكومته ومؤسسات دولته كلها تتكالب للدفع به استحق أو لم يستحق، فلأي سبب يعمل ويجتهد وبأي منبه سيصحو منه الضمير؟ طبعاً لست أقول هذه حالنا جميعاً، فلو خليت خربت، لكنها حال منتشرة بما يكفي لجعلها ظاهرة، بما يكفي لتحتل أخبار الغش والغشاشين والشهادات المزورة والوظائف المهدرة عناوين صحفنا، بما يكفي لتتدنى رتبتنا تعليمياً في محيطنا الخليجي والعربي والعالمي كذلك بصورة مخجلة تفطر القلب. نحن أمام وضع مزر مزمن، يحتاج علاجا قاسيا موجعا. يجب أن يغيب الشعور الكاذب بالأمان بين أبنائنا الكويتيين ليحل محله الشعور الحقيقي بأن الثواب على قدر العمل، يجب أن تدفن الواسطة في جب عميق كما الفتنة، ليلعن الناس من يوقظها، يجب أن ينتهي التدليل المشوه للروح والعقل والجسد والذي يجعل الكويتي يعتقد أن الطريق الممهد حقه بسبب من جنسيته دون غيره وأن مقدرات بلده تبرر تحجيم دوره وانكماش واجباته في الوقت ذاته الذي تضمن فيه تضخم مدخوله. يجب أن تعتدل الكفة وتستتب العدالة وترتفع قيمة الكفاءة وتنخفض قيمة الواسطة، يجب أن يكون هناك منطق، عقل، شيء من الحكمة في الكيفية التي نأتي بها بأبنائنا الى الحاضر وندفع بهم الى المستقبل. يجب أن ننزل من عليائنا الى الأرض، ليعتدل الوضع المقلوب، وليتحقق لطلبتنا مستوى الكفاءة المتوقع والمفترض في مجتمع مثل مجتمعنا.