أعتذر مقدماً
فمقالي هذا مقال لائم، وأنا لا أحب اللوم ولا أشعر بأحقيتي فيه، ولكن ما يدفعك للمر سوى ما هو أمر منه، نحن في مأزق، مأزق حقيقي لربما لا يشعر به سوى من هم على شاكلتنا ونازل، الطبقة المتوسطة وتحت، ممن يعتمدون على رواتبهم، يستلمونها من الحكومة ويسلمونها للتجار، وألف عافية على قلوبهم، لا لوم مستوجباً تجاه الذكي المثابر وإن تطرف في مثابرته، إلا أن على هؤلاء التجار، على أغنياء دولتنا الحبيبة دوراً كبيراً في إنقاذنا من جحيم قادم، فهم، وهم وحدهم، من يمتلك العصا السحرية لتحقيق ذلك.
إن العامل الاقتصادي (البيزات)، هو الذي يحدد كل جانب من جوانب حياتنا، وطريقة تكوين مجتمعاتنا، وما تعتنقه هذه المجتمعات من فكر وما تعيشه من سلام أو حروب، إلا أن كارل ماركس- المفكر العظيم الذي لم يستطع أصحاب العقول الصغيرة أن يصلوا إلى عمق فكره، فتمسكوا بأهداب عداء الماركسية للدين وتغاضوا عن نظرياتها العميقة- قال “الإنسان أثمن رأس مال في الوجود”. هذه الفكرة هي ما يحتاج أغنياء بلدنا وتجاره أن يستوعبوها ويستثمروا فيها.
فبينما يقف “داعش” خطراً حقيقياً على أطراف دولتنا الصغيرة، ينمو الخطر الأكبر والأهم بيننا، يتنامى داخل نفوس صغارنا ويتعاظم في طريقة تكوينهم الفكري، وكان أن اختطفت هذه الفكرة، ومنذ زمن بعيد، مخاوف السيدة فارعة السقاف، وكأنها تتنبأ بما لا يحب أحدنا أن يتخيله، أرعبتها المقامرة بمستقبل الأجيال، وأثخن قلبها إيمانها بأن الخطر الداهم داخلي لا خارجي، فعملت على تكوين “لوياك”، هذه المؤسسة الشبابية التي أحد أهم أهدافها منع الشباب من الفراغ، وإبعادهم عمن قد يستغل حماس أعمارهم لتأجيج العنف وترسيخ التطرف. خلقت “لوياك” فرص عمل مستمرة للشباب، وأدخلت عليهم وعياً جديداً حتى في نوعية الوظائف التي أصبح هؤلاء الشباب يعملون بها، رسخت فيهم فكرة الكسب الحقيقي والاعتماد على النفس والتواضع واحترام الوظيفة مهما صغر شأنها، علمتهم أن البدء يكون من أول درجة، وأن الصعود بالمجهود الذاتي هو التحصيل الأعظم والأهم. فتحت “لوياك” أبواب الفن وغيرها من الهوايات الرائعة للشباب، واستقطبت الطاقات الكامنة والمواهب المنسية، أخرجتها ووظفتها حتى أصبحت المجموعة المسرحية لـ”لوياك” تنافس أكبر المسارح العربية الأصيلة، ولربما الأهم والأجمل في “لوياك” أنها جمعت الشباب وخلطتهم، بشيعتهم وسنتهم، بمتدينيهم ومتحرريهم، بكويتييهم وبدونهم، تشكيلة وتنوع لم يسبق لي أن رأيتهما بهذا الحجم وبذاك الحب وتحت ذات السقف.
هذا هو الاستثمار الحقيقي في الإنسان، وهنا يجب أن يستثمر أغنياء الكويت وتجارها إذا ما أرادوا للبلد أن يستمر، حقيقة، أي مستقبل للكويت خال من العنف والتطرف بصورتهما البشعة التي يجلبها “داعش” للمنطقة هو في يد أغنياء الكويت، هؤلاء القادرين على فهم فكرة أن الاستثمار في الشباب بالإنفاق من أجل الحفاظ على عقولهم ليس هو الطريق إلى نجاح الدولة فقط ولكن إلى نجاحهم الشخصي هم كذلك.
فإذا ما ترك الشباب للتطرف والعنصرية، وإذا ما أغلقت الأبواب، إلا من باب العنف والسلاح، في وجوههم، فإن المجتمع القادم سيخلو من البهجة، وسيرفض متع الحياة التي هي كل ما تقوم عليه تجارة الأغنياء، وسنتحول ببطء ولكن بثبات من دولة مدنية حديثة إلى أفغانستان أخرى، وليس ذلك ببعيد ولا حتى بطويل الأمد، الخطر قريب ويمكنه أن يقع في طرفة عين.
من أجل تجارتكم، من أجل قوتكم وسلطانكم، من أجل الكويت، هذه اللؤلؤة التي تبقى تدرّ عليكم من خيرها وبياضها، ساهموا في ترسيخ أقدام “لوياك” وغيرها من المؤسسات الشبابية المتقدمة التي تعمل على إنقاذ الشباب من الشارع وأهواله، “لوياك” اليوم تترنح، مثلها مثل كل المشاريع الشبابية، وهي تقف تدق باب هذا وشباك ذاك من أجل موارد مالية مهزوزة وشحيحة، في حين أن خردة أقل أغنيائنا، اللهمّ لا حسد، لربما تثبت أقدام “لوياك” مدى الدهر، ومعها أقدام أجيالنا القادمة وهم يتعلمون ويتثقفون وينغمسون في إظهار مهاراتهم ومواهبهم، يرققون أنفسهم بالفن، ويطهرونها بالنشاط الخيري، ويهذبون علياءها بالعمل الجاد والكسب الحقيقي، كل هذا توفره “لوياك”، فلا تحرموا الشباب منها.
الليبرالية ليست مظهراً، ليست ملبساً متحرراً وليست سفرا للخارج ولا لغة تستعمر لغتك، الليبرالية الحقيقية هي فكر متحرر حقيقي، يساوي بين البشر، يحررهم من قيود عاداتهم وتقاليدهم البالية، يطلق لهم العنان في اختيار فلسفتهم في الحياة، ولأن أغلبية تجارنا وعائلاتنا الغنية توصف بأنها ليبرالية بحكم أسلوب حيواتها وطرائق تقديمها لأنفسها في المجتمع، فإننا ننتظر تحرراً حقيقياً، تحرراً من الفكر القديم استيعاباً لمذهب التحرر الجديد الذي لن يتأتى سوى بالإنفاق اليسير (نسبة إلى الثروات اللهم زد وبارك) على شباب اليوم، الذين هم في النهاية من سيكونون المجتمع القادم الذي سيزيد من ثروات هؤلاء الأغنياء وينعش مشاريعهم، وفي النهاية الكل مستفيد. والآن، بانتظار إنقاذ فوري وقوي وشديد الصلابة المالية لـ”لوياك” وغيرها كذلك من مؤسساتنا الشبابية الجميلة.