تحميل إغلاق

«أشتاتاً أشتوت»

«أشتاتاً أشتوت»

ليست المصيبة الحقيقية في تقدم نائب في مجلس الأمة الكويتي بمقترح بقانون لإعدام من يباشر أعمال السحر، تلك فعلياً ليست المصيبة، الواقعة الكبرى هي في اعتقاده واعتقاد شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي خصوصاً والعربي عموماً، على ما ورد من ردود أفعال على الخبر، بالوجود الحقيقي للسحرة القادرين على التأثير على الآخرين بالسحر والأعمال والتمائم وغيرها.
حين أعدت تغريد الخبر على تويتر مُعَلقة «إحنا نعيش في أي قرن؟» جاءت بعض الردود مؤيدة للمقترح، لأن «الساحر ألعن من الإرهابي» على ما ذكر أحدهم، ولأن «السحر والساحر موجودان، والساحر كافر لأنه خرج من الملة، فيجب قتله» على ما ذكر آخر، ولأن هؤلاء «يدمرون العوائل ويفرقون بينهم» على حد قول ثالث. إذن، ونحن في القرن الواحد والعشرين، هناك من لا يزال يؤمن بوجود سحرة، أي أشخاص يملكون قوى خارقة قادرين بها على التأثير على حيوات الناس ومصائرهم، وأن هؤلاء دمروا فعلياً عائلات بسحرهم، وأنهم خرجوا عن الملة، ولذا وجب قتلهم. هذه مصيبة مركبة، واللهِ.
ولقد اعتدنا في عالمنا العربي العتيد على مقترحات قانونية دينية وفتاوى شرعية كهذه وأشد كارثية وكوميدية، لذلك ليس المستغرب أن يحافظ بعض الساسة والمشايخ على استخدام هكذا مقترحات وفتاوى لتخويف وترهيب الناس وإبقاء أعناقهم المسكينة في أياديهم. إنما ما لست بمستطيعة شخصياً الاعتياد عليه هو وجود هذا التفاعل العام الكبير مع هذا الضرب من الجنوح الفكري الذي يحبس العقول في فترة ما قبل القرون الوسطى، فيما أيادينا تعبث بتلفونات «الآي فون» وتحمل «لابتوبات» آبل، وتنجز كل أعمالنا على شاشة «الآي باد». هل تعيش أفكارنا وكأنها فطريات القرن الثاني عشر بينما تتحرك أطرافنا بميكانيكية القرن العشرين؟ هل نحن كائنات متخبطة متناقضة تحيا الشيء وتؤمن بضده في ذات الوقت؟ والأهم من ذلك وطبقاً لهذا المنطق، ألا يعتبر ستيف جوبز، رحمه الله، بأجهزته العظيمة، ساحراً يمارس ضرباً من الأفعال الخارقة للطبيعة؟
طيب، الأمر لله، هناك سحر وهناك سحرة، وهؤلاء قادرون على التفريق بين الرجل وزوجته وربط الزوج (حيث لا يوجد طلب على ربط الزوجة) وجعل الرجل يرى زوجته «عجوزاً شمطاء» (حيث لا يوجد طلب على جعل المرأة ترى زوجها «شايب عايب») لكن أليس هناك، بالمنطق نفسه، سحرة «يجلبون الحبيب» و«يفكون السحر» و«يزوجون العانس» (حيث ليس هناك طلب على تزويج العازب) فلمَ يعاقب هؤلاء السحرة «الأخيار»؟ وما هو مقياس معرفة الساحر الطيب من الشرير؟ بل والسؤال الأكثر إلحاحاً، كيف ستتعرف الشرطة على الساحر أصلاً، شريراً كان أم طيباً، وكيف سيثبتون التهمة عليه؟ فرضاً أن امرأة اشتكت على ساحر بأنه فرق بينها وبين زوجها، كيف يمكنها إثبات ذلك؟ ما أنواع الأدلة المطلوبة؟ وهل يكفي غباء المشتكية وانحلال زوجها الأخلاقي دليلاً على تورط الساحر المسكين بينهما؟
وإذا ما وافق عقل أو منطق ما على هذه الفكرة الخارقة، كيف يتجاوب الناس بسهولة هكذا مع عقوبة الإعدام؟ أهكذا يتم القفز بشكل مباشر لعقوبة إزهاق الروح مصحوباً، أي هذا القفز البهلواني، بثناء ورضا وتهليل الناس؟ أي تعطش هذا للقتل؟ طيب شوية حبس، تعزير، غرامة، إنما إعدام هكذا مباشرة؟ يا ترى ألن يستطيع الساحر تخليص نفسه بسحره من هكذا موقف؟ ألن يتمكن من وضع تعويذة على سجانيه فيحولهم إلى ضفادع وأسلحتهم إلى ذباب متطاير؟
الوضع فكاهي بكل ما تحمل الكلمة من معنى. في الحقيقة، لا أتصور أن مقترحاً كهذا سيمر من أي لجنة من لجان مجلس الأمة الكويتي، دع عنك أن يقر بالتصويت العام عليه. وعليه، فإنه ليس إقرار القانون هو ما يدفع للقلق، إنما الترحيب به هو ما يثير كل مشاعر الرعب في النفس، مشاعر تشعلها حقيقة أننا نحيا في عالم عربي عميق خطير، عميق حد وصوله خلفاً لما قبل القرون الوسطى، وخطير حد تبني البعض فيه فكرة قتل أحدهم بتهمة استحضار قوى خارقة «لربط الزوج». وعلام كل هذه الغضبة، هل ربط الساحر نابليون مثلاً؟ ما ربط سوى زوج لا يريده أحد سوى زوجته المسكينة وهو يريد كل أحد إلا زوجته المسكينة، فعلام معاقبة الساحر المسكين؟
ويبقى السؤال، هل من ساحر شاطر يربط على هذا العالم العربي بأكمله، فيفك تعويذته المزمنة ويخلصه من ناهبيه وفاسديه وديكتاتورييه ويرد له أحبته الهاربين منه إلى «دول الكفار» ويصنع له تميمة ضخمة يزوده من خلالها بشيء من المنطق والعقلانية؟

اترك تعليقاً