تحميل إغلاق

مشاعرك حسب توقيت غرينيتش

مشاعرك حسب توقيت غرينيتش

المعضلة ذاتها تتكرر كل سنة مع قدوم شهر رمضان الفضيل لربما في الدول العربية عموماً وفي دول الخليج العربي على وجه الخصوص وفي الكويت على وجه خصوص الخصوص.
من غير المستحسن أن يتم فرض عبادة بقوة الضغط المجتمعي، إلا أن ذلك هو ديدن المجتمعات المحافظة التي تحوّل الكثير من أعضائها الى منافقين، يعيشون بوجه غير وجههم الحقيقي والذي ما أن يظهروه حتى يُنبذوا أو تُشوّه سمعتهم وتتحول حياتهم الى معاناة وصراع مستمر، أما غير المقبول والغريب جداً فهو أن يتم فرض عبادة بقوة القانون، مما يحوّلها من إختيار أخلاقي شخصي الى قاعدة قانونية عامة تخص المجتمع بأكمله بأجهزته المدنية، حيث يصبح كله مسؤولاً عنها، كله ملزوماً بالتبليغ عن مخالفها، تماماً كما نشعر بمسؤولية التبليغ عن سارق أو مشاغب أو متعدٍ على إشارة المرور الحمراء.
إن وضع أمر عبادة ديني تحت طائلة القانون يغيّر من طبيعة المجتمع، يشكله جاسوسياً، يصنع من أفراده شرطة أخلاق يتصيد فيه هؤلاء «معاصي» بعضهم البعض. من هنا يمكن للوضع أن يتطور بإتجاه أكثر خطورة ، ففاطر رمضان، على سبيل المثال، إذا ما تم القبض عليه «بتهمة» الأكل، فإن تلك «التهمة» ستبقى في سجله، مؤثرة على حياته وفرصه المستقبلية العملية والمجتمعية من دون أن تكون لهذه «التهمة» علاقة منطقية بتلك الفرص الحياتية.
فمثلاً، إذا ما سُجن شخص بسبب إفطاره، فإن فترة السجن هذه ولو كانت يوماً واحداً، ستؤثر على فرص توظيفه المستقبلية، ستعرقل فرص زواجه (وكلاهما أي الوظيفة والزواج لا علاقة مباشرة وحقيقية لهما بالصيام)، وستصّعب الكثير من إجراءات حياته خصوصاً وأنها ستصمه سجين قضية «أخلاقية» مدى الحياة. كل ذلك لأن هذا الشخص إختار ألا ينفذ فريضة دينية حتى خالقه أعطاه الحق في تنفيذها أو عصيانها، فما كانت الحسانات والسيئات سوى مؤشرات على الحق في الإختيار والحق في التقييم والتنفيذ.
نسمع كثيراً ما يردده عموم الناس من أن الجهر بالإفطار يجرح مشاعر المسلمين، وهذه الجملة وما تعبّر عنه من شعور يستدعيان التساؤل الملح: لِمَ تجرح مشاعر المسلم الذي يختار تنفيذ العبادة إذا ما إمتنع غيره عن تنفيذها؟ ما المهين أو الجارح للدين أو لشخص عمرو إذا ما قرر زيد أن يفطر في حضرة عمرو الصائم؟ يصعب جداً فهم هذه السيكولوجية العجيبة المعقدة والتي هي في الواقع بشرية عامة، إستطاع الغرب التغلب عليها بعض الشيء مع رسوخ مفهوم الحرية في مجتمعاته، الا أنها لا تزال قوية مسيطرة في مجتمعاتنا الشرق أوسطية. لماذا يرغب الإنسان المتدين في مجتمعاتنا أن يحذو الجميع حذوه؟ لماذا يعتقد أنها مسؤوليته أن يضمن إنتظام الآخرين في أداء العبادات على طريقته وحسب تقييمه؟ لربما للسؤالين السابقين بعض الأجوبة المنطقية من حيث رغبة الإنسان في أن يتعايش ضمن مجموعة تشبهه وتفكر مثله ليتجذر له الشعور بالإنتماء، ومن حيث أن الأنظمة الدينية في معظمها تحمّل أعضاءها مسؤولية تبشيرية وتنفيذية عنها.
إلا أن السؤال الأهم والأكثر تعقيداً يبقى هو: ما السبب في الشعور بالمهانة وجرح المشاعر في حال إختار آخر الإمتناع عن تنفيذ فريضة أو أنه جاهر بمخالفتها؟ كيف تشكل هذه الواقعة إهانة شخصية المتدين؟ وكيف يمكن لقانون منطقي مدني عادل أن يشجع هذه المشاعر البدائية غير المنطقية؟
ويبقى للموضوع بعد فلسفي مستغرب جداً، ففرض عبادة بقوة القانون تستدعي كذلك سؤالاً آخر: ما قيمة تنفيذ عبادة لا تملك حق مخالفتها؟ كيف تثاب على أداء فريضة ليس لديك أصلاً خيار الإمتناع عن أدائها؟ ويبقى السؤال الأهم: لماذا تجرح مشاعرك إذا أكل أحدهم في صباح يوم رمضاني في الكويت أو مصر ولا تجرح المشاعر ذاتها الفعل ذاته في اليوم في بريطانيا أو بلجيكا؟

اترك تعليقاً