تحميل إغلاق

في الفريزر

في الفريزر

يشير كتاب نوبوأكي نوتوهارا، الذي كان هو فحوى مقال الأسبوع الماضي، وهو بعنوان العرب: وجهة نظر يابانية، الى مشكلة غياب الديمقراطية وانتشار القمع في البلدان العربية الذي هو «واقع لا يحتاج الى برهان» (8) كما يقول الكاتب. أهم مثال يذكره الكاتب لغياب الديمقراطية وانتشار القمع هو ظاهرة منع الكتب والرقابة على المطبوعات وعلى الصحافة التي يتبين من كلمات الكاتب رؤيته لها على أنها من أشد مظاهر القمع وغياب حرية الرأي والتعبير في العالم العربي.
يرى الكاتب أنه بسبب ترسّخ «الداء العضال» (9) الذي هو القمع في المجتمع العربي، فإن هذا المجتمع يعاني من غياب الفردية العربية. يقول الكاتب: «هل هناك فرد مستقل بفردية في العالم العربي؟ المجتمع العربي مشغول بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد، والقيمة الواحدة والدين الواحد، وهكذا … ولذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآراءهم. وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد، وخصوصيته واختلافه عن الآخرين. أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد، لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد» (9). لربما أهم توجه توحيدي عندنا هو توجه توحيد الدين، حيث تتوارث الأجيال الدين ذاته بالقراءة عينها والتفسير والتفقه الدينيين من دون أدنى رغبة في التفكير، دع عنك التغيير، ومن يتجرأ فيقدم على النظر من زاوية مختلفة حتى ولو كان ينظر من داخل الحيز الديني، فإنه سرعان ما يُحكم عليه بالمروق ويناله مصير مرير، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، أذكر منها دكتور نصر حامد أبو زيد، السيد القمني، محمد حسين فضل الله وحاليا إسلام البحيري وغيرهم.
يُذَكٍر هذا الإصرار على التشابه والتوحد بحضارة قديمة عظيمة كانت تصر على المنهجية ذاتها ألا وهي الحضارة الفرعونية. كانت هذه الحضارة تبجل الاستمرارية والامتداد لا التغيير والتطوير، لذا نجد أن الفنون المصرية، وعلى مدى الأربعة آلاف سنة التي هي عمرها تقريبا (من المؤرخين من يعتقد أنها قد تصل الى السبعة آلاف)، لم تتغير أي تغييرات جذرية، حيث يمكن التعرف على القطعة الفنية المصرية بلا عناء، في حين حضارات كالإغريقية والرومانية كانت تهتم أكثر ما تهتم بالتغيير والتطوير، وكانت منهجيتهم الفنية تصب في الاقتراب من تصوير الحياة بدقة مطلقة، حيث لم يمانعوا أية درجة من التغيير في سبيل تحقيق هذا الهدف الذي كانوا يرونه نبيلا. النتيجة أن الحضارة الأعظم ألا وهي الحضارة المصرية قد اختفت، والحضارة الأقل تطورا وعبقرية، ألا وهي الإغريقية والرومانية قد استمرت، والسبب هو تمسك الأخيرة بالتطوير والتغيير اللذين هما إكسير الحياة.
يتحدث نوتوهارا عن نتاج هذا التوجه التوحيدي حيث يقول «في هذه المجتمعات يحاول الفرد أن يميز نفسه بالنسب كالكُنْية أو العشيرة أو بالثروة أو بالمنصب أو بالشهادة العالية. في مجتمع تغيب عنه العدالة ويسود القمع وتذوب استقلالية الفرد وقيمته كإنسان يغيب أيضا الوعي بالمسؤولية» (9). يظهر هذا الغياب حادا ومفجعا عندنا في المنطقة العربية، فالاعتماد على اسم الأسرة أو الانتماء الى قبيلة يقلل من الشعور بالمسؤولية الفردية محولا أخطاء الفرد الى أخطاء جمعية يتحملها الجميع يسعىون لحلها، وإن بطرق ملتوية من باب وجوب مساندة الأقرباء، الجميع. هذا الاعتماد على الأسرة أو القبيلة امتد للاعتماد على شيخ الدين الذي يرفع المسؤولية الدينية عن كاهل متبعيه والذين يعتقدون أنهم باتباع تعاليمه يخلون أنفسهم من المسؤولية أمام الله ويتحررون من الإرادة التي تفضي للمحاسبة مسلمينها الى شيخ الدين هذا الذي يخفف عنهم عبء التفكير والتدبير.
كثــيرا ما يـردد الشارع العــربي والإســلامي تفاخــره بوحــدة صفه، وغالبا ما ينبذ هذا الشارع المختلف أو من يحاول أن يكون مختلفا، ناظرا له بعين الريبة معرفا إيّاه على أنه جاسوس يريد أن يسرق منهم هناء عيشهم واستقرارهم الموهومَين. القمع يؤدي لذوبان الهُوية والاستقلالية الذي بدوره يفضي الى مقاومة كل متغير أو مختلف والذي أخيرا يوصل الى التجمد الدائم، ونحن هنا.

اترك تعليقاً