تحميل إغلاق

توقعات

توقعات

كنت أتحدث مع والدي عن إشكالية تطوير الفقه والتفسير في الدين الإسلامي، حيث كان رأي والدي أن الإشكالية سهلة وآخذة في طريقها للحل، وكان رأيي أنها عسيرة جدا ولكنها، اتفاقا مع والــدي، آخذة في طريقها للحل.
والدي يرى أن التطور الفقهي مصدره طبيعة الدين بحد ذاته وأنا أرى أن هذا التطور مدفوع بضغوط تطور مفاهيم حقوق الإنسان، وكذلك ضغوط التطور العلمي، هذا التطور الذي قسر كل جوانب الحياة على مجاراته والتأقلم معه.
أعتقد أنا حقيقة أن الدين الإسلامي سيتحرر كثيرا في السنوات المقبلة من الفقه المتطرف والتفاسير القديمة، باختيار الفقهاء أو بدون اختيارهم، سيتطور الفهم الديني الإسلامي، كما سبقه ذاك الفهم للمسيحية الكاثوليكية، التي تركت الكثير من تطرفاتها خلفها، رضوخا لأحكام الزمن وتغير المفاهيم والمبادئ والعادات والتقاليد وتقدم العلم المذهل، الذي بات «تسونامي» لا تستطيع أي أيديولوجية معاندته أو مقاومة إثباتاته ودلائله الصلبة الباردة العنيدة، التي لا تلتفت لمعتقدات أو مشاعر أو مخاوف.
لربما إحدى أقوى إشكاليات تطوير الفهم والتفسير هي إشكالية استبعاد الفحوى التاريخي، وإعتبار أن كل الوارد في القرآن الكريم وفِي السنة النبوية صالح خارج إطار الزمن.
هذا المفهوم يتسبب في إحراج كبير للفقهاء، ولربما لعامة المسلمين، تبريرا لمفهوم العبودية مثلا، أو تفسيرا لموقف الدين من زواج الصغيرات أو توضيحا لإشكاليات وضع المرأة في الفقه الإسلامي عموما.
فبلا فهم متعمق للقالب التاريخي، بلا فهم لأهمية ملك اليمين على المستوى الاقتصادي العالمي مثلا والذي يعادل تأثير النفط على الوضع الاقتصادي الحالي، لما وضح سبب تسامح الشريعة مع ممارسة العبودية، والتي لو أنها أتت قطعيا لتحرمه، لما انضم تحت لوائها أحد، أو لتسببت في خسارات اقتصادية هائلة للقوم المعنيين بالرسالة والذين كانوا لينتهوا الى موقف ضعيف جداً لا يمكنهم من نشر الدعوة ومعها نفوذهم حول العالم.
الحقيقة أن مقولة «صالح لكل زمان ومكان» لا وجود لها في القرآن الكريم أو السنة النبوية، إلا أنه بخلاف وجود هذا التصريح من عدمه، فإن الصلاح الكلي للقرآن كدليل أخلاقي هي فكرة لا غبار عليها، فالأخلاقيات والمبادئ، رغم أنها قابلة للتغير، الا أن أساسياتها عادة ثابتة مقاومة للزمن، وهي وإن تغيرت، فإنها تتغير برتم بطيء جداً وعلى مدى طويل. المشكلة تكمن في الكثير من المعايير الإجتماعية الحياتية، التي تغيرت بشدة، مثل ما ورد أعلاه حول ملك اليمين ووضع المرأة وقواعد الزواج وغيرها، والتي تستدعي تأقلما زمنيا ومكانيا، وعليه فإنها تتطلب فهما لورودها في النص القرآني لا يستبعد الإطار التاريخي، بل يجب أن يكون هذا الفهم قائما على تاريخية هذه المعايير، والتي قياساً على تغير الحياة وقوانينها، يمكن تغيير تشريعها وفهمها الدينيين، كذلك لتلائم الحياة المعاصرة وظروفها.
التغيير قادم لا محالة، فالناس تتغير، المفاهيم تتغير، متطلبات الحياة تتغير، النظرة للقيمة الإنسانية تتغير، والعلم… العلم يتطور فيغير الحياة بأكملها، ولا يمكن أن يتخلف التفسير الديني عن ركب هذه الحياة، والا فإنه سينعزل، وسيتسبب في شدة نفسية لمتبعيه والقائمين على ممارسته وشرحه وتبريره.
لا شك لدي في أن التغيير قادم، وأن الدين الإسلامي سيأخذ خطوات تقدمية جبارة في الآتي من السنوات، المهم أن ينبع هذا التغيير من مبادئه، كما يتوقع والدي، والتي هي لينة قابلة للتطـــور والتغيـــير، لا أن ينبـــع بقســر من الظروف المحيطة، كما أتوقع أنا، والتي لا يجب أن يقبل المسلمون بتغلبها وقيادتها لدفة التغيير. إنه إختيار وقرار، سيضع الفقهاء إما في صورة القياديين التقدميين أو صورة المقتادين المرغمين، والنتيجة ستكون دائماً التغيير الذي لا مفر منه.

اترك تعليقاً