تحميل إغلاق

«ما عليكم أمر»

«ما عليكم أمر»

نريد أن يرفع الحظر عن الحلقة حتى نعرف ما دار فيها، هل طالب جماعة حرية المعتقد بمطالبات فاضحة فظيعة، أم طالب جماعة أحادية المعتقد بمطالبات لا دستورية متطرفة مرعبة؟ نريد أن نفهم، وقناة المجلس بالتأكيد تود استرجاع شيء من مصداقيتها، لذلك، لطفاً لا أمراً، اعرضوا الحلقة.

ألغيت حلقة برنامج باب النقاش حول حرية الاعتقاد التي كان يفترض عرضها يوم الجمعة الماضي بسبب “تعارض الحلقة مع سياسة القناة” حسب ما ذُكر في “تويتر” على حساب البرنامج ذاته، وهذا يعني شيئا من اثنين، إما أن سياسة القناة تتعارض مع ما قاله الطرف المؤيد لحرية الاعتقاد، وتلك مصيبة، وإما أنها تتعارض مع ما قاله الطرف غير المؤيد وهنا المصيبة أعظم، فلابد أن هذا الطرف المناهض لحرية الاعتقاد قد قال قولاً مهولاً في تصادمه مع الحريات والمفاهيم المدنية والدستورية إلى الحد الذي دفع بالقناة لإلغاء الحلقة.

في كلتا الحالتين القناة ملومة وهي كذلك متضررة، وقد نزع عنها ثوب الحيادية، وظهر صدامها مع مفهوم الحرية الذي خصصت له حلقة كاملة من برنامج قوي على شاشتها. فإن كانت مشكلتها مع حرية الرأي والمعتقد وأسلوب التعبير عنهما، وهي قناة مخصصة لمجلس الأمة، فقد هدمت عمود الدستور الذي يقوم عليه بناؤها، وإن كانت مشكلتها مع ما قاله الطرف المقابل من آراء متعدية على الحريات والدستور، وآثرت إخفاء هذه المصيبة عنا حتى لا نتواجه وما تفكر به شريحة أكاد أجزم أنها كبيرة من المجتمع من آراء يطبخ على نيرانها التطرف والعداء للآخر، فقد هدمت عمود الإعلام الصادق الذي تقوم عليه أركانها. في كلتا الحالتين هُدم العمود وسقط المعبد على الرؤوس.

وحرية المعتقد لا يمكن أن يقال فيها الكثير، حيث إنها بلا حدود تستدعي الشرح الكثير، هي إطلاق حرية الإنسان في أن يعبد أو لا يعبد، في أن يعتقد بملة، فلسفة، فكرة، أن يؤمن بإله، بحقيقة، بهدف، ببراهمن، بكارما، أو أن لا يعتقد ولا يؤمن. حرية المعتقد تتجلى في إطلاق حرية الإنسان في أن يعبر عن شعائره، في أن يعلمها لأبنائه، في أن يسوقها ويدعو لها علناً، كما تتجلى في إطلاق ذات الحرية في أن يمتنع الإنسان عن التعبد وممارسة الشعائر، في أن يرفض تعليمها لأبنائه، وفي الإعلان عن عدم اعتقاده وفي تسويق عدم الاعتقاد هذا. هذه هي حرية المعتقد ببساطة ومباشرة، ونحن هنا لا نهدف لحرية المعتقد كاملة، لا قدر الله أن يكون لدينا حوار عقلاني منطقي وجودي يبحث في فكرة الوجود الإلهي والهدف من الحياة وعلم النشوء الكوني والتطور المخلوقاتي. نحن هنا نرغب في درجة مبتدئة من حرية المعتقد، أن يستطيع الإنسان الاعتقاد أو عدم الاعتقاد، وفي أن لا يصبح ذلك عاملا مؤثرا في الوضع المواطني لهذا الإنسان. لا نريد متحاورا قويا مثل د. ريتشارد دوكينز في حديثه الوجودي العدمي العلمي، ولا متناظرا رائعا مثل د. جون لينكس في حديثه الديني العقلاني البحثي، سيتورط د. لينكس لو حدثت عندنا مثل هذه المناظرة، وهو على الجانب الديني، قبل حتى د. دوكينز، وهو على الجانب اللا ديني، وسيحاسب شر حساب على تفنيده العقلاني وإفساح المجال لمحاوريه لقول ما يثقل جداً على صاحب أي عقيدة. نريد فقط “شوي” سعة صدر حتى لا نصنع مجتمعا منافقا من أوله لآخره، يقول ويظهر شيئاً، ويسر ويخفي آخر. نريد أن يرفع الحظر عن الحلقة حتى نعرف ما دار فيها، هل طالب جماعة حرية المعتقد بمطالبات فاضحة فظيعة، أم طالب جماعة أحادية المعتقد بمطالبات لا دستورية متطرفة مرعبة؟ نريد أن نفهم، وقناة المجلس بالتأكيد تود استرجاع شيء من مصداقيتها، لذلك، لطفاً لا أمراً، اعرضوا الحلقة.

اترك تعليقاً