تحميل إغلاق

ريمة

ريمة

مذهل كيف يتعلق المنكوب وقت شدته بذيل المدنية والديمقراطية، مذهل كيف يرغي ويزبد وهو في أوج قوته، وما أن تهتز الأرض تحت قدميه الشيء البسيط حتى يبدأ التباكي حول الدولة المدنية والقانون والدستور والحريات وهو في الواقع لا يعني منها شيئاً ولربما لا يفقه المعنى الحقيقي والعميق لها.
أمثلة كثيرة ظهرت مؤخراً حولنا، في الكويت كانت المعارضة «الحديثة» الدينية لا تتحدث إلا عن الدولة الإسلامية وتطبيق شرع الله، وعندما اشتدت الأزمة وسقطوا من كرسي الحظوة الى بلاط المعارضة، تغير الخطاب إلى ذاك المعني بدولة القانون والدستور، بل وتطور هذا الخطاب وتمطط الى الحديث عن الحريات. اليوم، وبعد أن تراجعت المعارضة عن مقاطعتها للانتخابات وعادت للبرلمان، عادت نغمة أسلمة القوانين لتعلو وتصم الآذان عن كل ما عداها من نغمات الديمقراطية والدستورية والمدنية.
في مصر، قبع حسني مبارك على كرسي الحكم ما يربو على الثلاثين سنة دون أدنى التفات لمفاهيم الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الدستوري، وما أن بدأت الأرض تهتز تحت قدميه، حتى طحن مبارك الدستور والقانون حديثاً وتأكيداً فيما هو يملأ مصر بالسجون والسجون بالمصريين، وعندما غيبته كذباته، جاءت معارضته الموالية أو موالاته المعارضة، واستتب أمر الإخوان على مقعد الحكم، لتبدأ بوادر الدولة الدينية في الظهور مصحوبة بكل الوسائل الملتوية التي تبرر الوسيلة، وما ان دارت الدنيا وسقطوا من ذلك المقعد المنكوب، حتى بدأ «حديث الضعفاء» ذاته يتكرر، سمعناه من الرئيس السابق محمد مرسي في خطابه يوم الثلاثاء 2 تموز/يوليو وهو يؤكد بتناقض ساذج على الدولة المدنية، دولة القانون، دولة الدستور، الدولة الحديثة، والنهضة الصناعية، والتي هي جميعها ألد أعداء الفكر الإخواني المرتكز على السمع والطاعة لمرشد يقدم فكراً شمولياً يقود الى إقامة دولة إسلامية، ومتى كانت الدولة الدينية تتسع لدستور ومدنية وحريات إنسانية؟ ومع ذلك، وفي خضم الحديث عن كل المبادئ الحديثة تلك، لم يتوان الدكتور الرئيس عن التأكيد على محافظته على «الشرعية» بدمه، ليبطن حديثه حول الدستور والقانون والمدنية بتهديد ووعيد تجيزهما عقيدته ولربما تحث عليهما. وهكذا، ورغم العوارض المؤقتة لحالات المدنية والدستورية والديمقراطية التي تصيب «ديكتاتور قوم ذل»، فإنه سرعان ما يعود «لعادته القديمة»، سرعان ما ينحو باتجاه ديكتاتوريته الفكرية متى ما زالت مسببات الضعف، سرعان ما يبيع المدنية والديمقراطية والدستورية وحقوق الإنسان مقابل الكرسي «الستيل المذهب» سواءً كان سياسياً أو دينياً.
الكل، مجازاً للمعظم، يطنطن بالدستور والمدنية، والكل يتهم العلمانية، أم المدنية وخالة الدستور، بالكفر المؤدي للانحلال. الكل يدعو لاحترام القانون ومبدأ الحداثة، والكل يصوت لأصحاب تطبيق الشريعة ومبدأ العودة للقرن السادس وقت الاختيار. الكل يدعس على الدستور والقوانين والمدنية والحقوق والحريات وأدواتهم من علمانية وليبرالية في طريق الصعود، ليعود فيتشدق بها ويدعي الموت في سبيلها ما أن يصل لكرسي السلطة الملعون ويبدأ رحلة الهبوط، حين يكتشف أن المنظر غير المنظر، وأن القمة مهزوزة، وأن هذا الكرسي، بلا قانون ودستور ومدنية حقيقية، ليس له أرجل.
ولأننا شعوب لا تتعلم من تاريخها، نعيد تمثيل الأحداث بحذافيرها بسيريالية عجيبة. في موقع القوة يغيب الحديث عن الديمقراطية والمدنية، تفتح أبواب السجون الفعلية والنفسية، وما أن تهبط الأسهم حتى يرتفع الطنين بهما وبالدستور ومفاهيم الليبرالية والحقوق الإنسانية حتى ينقلب أقسى الديكتاتوريين وأشد المتطرفين الى فولتير وروسو. حين ترتفع حظوظ القادة السياسيين ورجال الدين تهبط حظوظ الديمقراطية والمدنية والحريات، وحين تهبط حظوظ هؤلاء، ينتعش الحديث حول كل هذه المفاهيم الحديثة الرائعة.
إذن كيف نحقق الموازنة؟ كيف نحظى برجل سياسة أو رجل دين في موقع قوة ومؤمن بالمبادئ العادلة أو على أقل تقدير يتحدث من منطلقها؟

اترك تعليقاً