تحميل إغلاق

بلاستيك

https://www.aljarida.com/articles/1468389576489214500/

بلاستيك

تذهب الكاتبة إلى أن «داعش» جدد في ذاكرتنا كل البدائية والعنف اللذين اعتقدنا أنهما غابا بدرجة كبيرة عن عالم اليوم، أعاد إلينا صليل السيوف في صوت إطلاق المسدسات، وزفير النيران في صوت تفجير القنابل، أرجع البشرية بمجملها قروناً إلى الوراء، ملقيةً بالمسؤولية على العالم الإسلامي كله، متدينيه ومتحرريه، جهلائه ومتعلميه.

أكتب الآن على وقع الأخبار الدموية القادمة من باريس، وبقلب مثقل بالأخبار الدموية التي سبقت من بيروت، ليتلقفهما بالمسؤولية وبكل فخر ولهفة هذا التكوين الإرهابي الذي جدد للعالم نمطاً وحشياً قديماً اعتقدنا أن الحضارة وما صاحبها من مبادئ إنسانية متطورة، قد قضت عليه إلى الأبد. جدد “داعش” في ذاكرتنا البشرية كل البدائية والعنف اللذين اعتقدنا أنهما قد غابا بدرجة كبيرة عن عالم اليوم، أعاد إلينا صليل السيوف في صوت إطلاق المسدسات، وزفير النيران في صوت تفجير القنابل، أرجع “داعش” البشرية بمجملها قروناً إلى الوراء، ونحن جميعاً بمتدينينا ومتحررينا، بجهلائنا ومتعلمينا، مسؤولون عن ذلك.

وقبل أن يعلن التنظيم الإرهابي لداعش أي مسؤولية أو علاقة بالحادث اتجهت الأنظار كافة إلى العالم الإسلامي، كمتَّهمٍ “مُدان” حتى قبل أن تثبت إدانته، فالمسلمون، وعلى مر العصور، وثقوا علاقة قوية بين الدين والعنف المتوحش، الآن، الكل ينتظر أثر هذه الحوادث المرعبة على أجمل وأعظم ما أحرزته البشرية: مبادئ حرية الرأي والعقيدة وحرية التنقل والسفر وسهولة العيش، ينتظر العالم كله، عربيوه ومسلموه تحديداً، وهم كاتمون أنفاسهم تجاه الإجراءات التي ستتخذها فرنسا وأوروبا عموماً الآن، بعد أن أعملنا في أمنهم وحرياتهم معاولنا حتى ارتفعت أصوات في عقر دارهم تطالبهم بالعودة إلى الوراء استسلاماً للمبدأ الذي تعشقه الحكومات: الحريات مقابل الأمن.

ولقد تكلم د. إبراهيم البليهي عن هذا الموضوع في إحدى مقابلاته حين قال ما معناه أننا تسببنا في تغيير مبادئ الحرية عند الغرب، نحن قسرناهم على تصعيب عملية السفر وتعطيلها بإجراءات أمنية مطولة بعد أن كانت سابقاً في غاية السلاسة واليسر، غيرنا نحن، العرب والمسلمين، من طبائع الغرب وسحبنا من تحت أرجلهم بساط الحريات الذي طالما اعتزوا بها ودفعناهم دفعاً إلى التشديد والتصعيب اللذين أصابا الكافة لا مواطنينا فقط. عبثنا بديناميكية العالم، فأعدناه قروناً إلى الوراء، وأصبنا حرياته، خصوصاً حرية التنقل في ربوعه، بمقتل.

نعم، كلنا مسؤولون، من سكت مثل من رضي وشجع، من استنكر على استحياء مثل من فرح في صمت، من أقنع الصغار بأن المسلمين ضحايا من على منبر مسجد مثل من بكى مظلوميته من على منبر حسينية، كلنا، برفضنا تحمل مسؤولية ما جاء في كتبنا، بتخوفنا من مناقشة “مشايخنا”، بتمسكنابمعتقداتنا الدينية وطائفتنا على أنهما الحق الأوحد، بمعاملتنا للحرية على أنها رجس من عمل الشيطان، بعزلنا أنفسنا عن عالم أقنعنا أنفسنا وصغارنا أنه بمجمله عدو لنا، كلنا في المسؤولية شركاء. أن نعلم أو لا نعلم من يقف خلف أي أحداث إرهابية دامية في العالم، لا يغير ذلك شيئاً في المعادلة، لا يغير شيئاً من نظرة العالم إلينا ونظرتنا إلى العالم، لا يغير شيئاً من حقيقة أننا دائماً وأبداً نبقى على رأس قائمة المشبوهين حتى وإن ثبتت براءتنا. ولمن يكتب على وسائل التواصل أن “ذلك ليس من الإسلام في شيء” نقول له: جملتك بلاستيكية ليس لها طعم، فانظر في كتبك وحدد مواقع الخطر واعترف بما أوصلك إلى هنا وأصر على تغييره، بهذا، وبهذا فقط تبرئ ساحة عقيدتك، هذا إن لم يكن الوقت قد تأخر، وأنا أراه، بعد أحداث باريس، قد أمعن في التأخر، ولربما تلك هي بداية النهاية.

آخر شي:

باريس وبيروت، مدينتَي النور، لكما السلام.

اترك تعليقاً