تحميل إغلاق

أشياء لا تتغير

أشياء لا تتغير

تتكرر هذه الأشياء كأنها لحن أسطوانة مكسورة، كأنها داء عضال ما إن تختفي دمامله في جهة حتى تظهر في الجهة الأخرى، كانت لي فرصة المراقبة عن بعد خلال هذه الانتخابات التكميلية، فرصة المراقب المرتاح يأساً، فتبدت لي الأحوال متشابهة متكررة بعد صراع وانقسام، ومحكمة دستورية، وصوت واحد، ومعارضة درامية ومشاركة هلامية، تبقى الحال على ما هي عليه، وعلى المتضرر أن يخبط رأسه في الحيط.

وملاحظتي بسيطة، ليس فيها عمق تحليل ولا بعد رؤية ولا شيء، ملاحظتي مسكينة، تبرز نفسها بنفسها مع تسرب رائحتها، ملاحظتي مملّة حد النوم ومؤذية حد السهد، ملاحظتي مكررة حد الضجر المميت، كلنا نعرفها ونعانيها ونكررها أو نشجع على تكرارها، ترتكز ملاحظتي ليس على عنصريات أغلبية المرشحين وتطرفاتهم، فتلك أصبحت من عاداتنا وتقاليدنا، ولكن على خيبة لجانهم الإعلامية التي تسمح لهم بقول ما يقولون، هذا إن وجدت هذه اللجان، لطالما طالبت الحكومة بتعيين مستشارين إعلاميين لتفادي المحرج من التصريحات، ولا بأس بذات النصيحة لمرشحي مجلس الأمة، فإن كنت تعرف في نفسك العنصرية أو النفس الطبقي أو القبلي أو التطرف فلا بأس بخبراء يساعدون في تغطية كل هذا وتخفيف وقعه.

مثلاً، أن يخرج المهندس هشام البغلي في مقابلة فيقول “خطوط كثيرة تحت الكويتيين الأصليين”، وعندما يسأله المذيع من المقصود بالتعبير؟ يقول “كلمة مفهومة، مو اللاجئين، اللي جو قبل عشرين وثلاثين سنة”، في حين أن تغريداته تصب بطريقة “كليشيهية” مكررة على الوحدة الوطنية، فإن ذلك يعكس، والله لا أدري ما التعبير المناسب، لربما “ضعفا إعلاميا شديدا”؟ لا أتكلم عن العنصرية في حديث المهندس أو الفئوية في طريقة تقييمه للفرد الإنسان، فتلك تبدو وكأنها متطلبات النجاح في المشهد السياسي اليوم، ولكنني أتكلم عن ذكاء سياسي واجتماعي مستحبين لمن يخوض انتخابات البرلمان. يعني يا سيادة المهندس، إذا بليتم فاستتروا، ولربما أتى اليوم واحتجت لموضوع “اللاجئين” لتصعد عليه إلى درجات أعلى، فتمهل واستشر حفاظاً على نجاحك ورحمة بآذاننا وقلوبنا.

ومثلاً أن يتكلم السيد بسام العسعوسي عن “وحدتنا في وجه الطارئين” مكرراً كلمة “طارئين” مرة بعد مرة، ثم يأتي بالحديث عن “الوطن بكل أطيافه”، فإن ذلك بكل تأكيد يعكس ذات المشكلة الإعلامية العويصة، لا أدري من المقصودون بالطارئين؟ هل هم حديثو الوجود في الكويت؟ (اللي يسمع يقول حضارتنا عمرها خمسة آلاف سنة)؟ أم هل هم الفاسدون الذين أخرجهم فسادهم من عضوية مجتمعنا الفاضل؟ فإن كانت الأولى فتلك هي ذات مصيبة زميله المهندس البغلي، وإن كانت الثانية فالمصيبة أكثر كوميدية وسطحية، فمهما بلغ فساد المشار إليهم فهل هذا سبب ليجعلهم “طارئين”؟ أكل الأشرار خارج “خريطة” الشعب؟ كل من يخطئ أو يفسد أو يجرم يصبح “مو أصلي”؟ طارئ ودخيل؟ حتى لو كان الفاسد ممن تجنس حديثاً، ألم يصبح جزءاً من الكويتيين الآن؟ ألا نستطيع تحمل مسؤولية مفسدينا والاعتراف أننا لسنا شعباً بالغ الكمال؟ مرة أخرى، لربما ليست عنصرية النظرة هي المصيبة، ولكن الإفصاح عنها بهذه الأريحية، تلك هي مصيبة المصائب.

السيدة فجر السعيد تعيد إرسال تغريدة شعرية كتبها أحدهم عنها تقول في إحدى جملها “بنت الرجال اللي عريب نسبها”، السيد عبدالمعيوف يكتب “نبارك للشعب المصري تخلصه من حكم الإخونجية”، ويتكلم عن “طاعة ولي الأمر” ويدعو الله أن “يكفينا شر الدخلاء على المجتمع الكويتي”، السيد ناصر الدويلة يعيد إرسال تغريدة تدعو له بالحماية من “الطابور الخامس”، ويتحدث عن “برنامج وطني لإصلاح الممارسة الديمقراطية” يوصل “نخبة المجتمع فقط”، السيد حسين العتيبي يعيد إرسال تغريدة تدعو أبناء القبيلة للتصويت له، ويكتب في إحدى تغريداته “الفزعة… الفزعة… لن نستغني”. تلك عينة مما أمكن استعراضه، فهناك أذى وتملق وانحدار لا يمكن ذكرها، وأسماء أمعنت في الفساد لا يصلح ورودها في مقال، ولست بأي حال أقيّم الأسماء الواردة هنا ولا أساوي بينها سوى في ضياع بوصلتها الإعلامية.

أما بالنسبة إلى أحوالنا السياسية بشكل عام، فالأمثلة أعلاه تخدم فكرة ألا شيء يتغير، فطالما بقيت العقول كما هي، بقيت النتائج “هي هي”، لا تلبث الألسنة أن تزلّ بعنصريتها وتطرفها، بأصالتها مقابل “بيسرة” الآخرين، بانتمائها أمام انقطاع الآخرين، بعرقها وحسبها ونسبها أما فردية الآخرين. “كليشيهات” مكررة مقيتة تقتل فينا الأمل، فإذا كان الكلام لا يتغير، فكيف بالفعل إذاً؟

“آخر شي”:

كنا قد باركنا للدكتورة ليلى السبعان توليها منصب “رئيس تحرير مجلة العربي”، وعلى حد علمي باشرت الدكتورة عملها ذاك، حيث كانت تكتب افتتاحيات هذه المجلة الرصينة، ليخرج علينا بيان وزارة الإعلام، مشيراً إلى أنها لم ترتق إلى هذا المنصب، وأنها ما كانت سوى مشرفة ومحررة للمجلة، ولا أدري لمَ يوكل “لمحررة” أن تكتب افتتاحيات المجلة؟

 هذا وجاء في البيان أن الدكتورة استلمت كل مستحقاتها، في حين أن الدكتورة صرحت أنها تسلمت مبلغاً مقابل ثلاث مقالات فقط، ولم تتسلم أي مبلغ بخلاف ذلك لا عن مقالاتها الأخرى ولا عن رئاستها للمجلة، حسب قولها أو عن إشرافها حسب قول الوزارة، وهذه معلومة يمكن بسهولة التأكد من صحتها، فهل من تحرك بهذا الشأن؟

مجلة العربي هي من أهم وأرصن مجلات منطقة الشرق الأوسط، ويعز علينا جميعاً أن نرى مثل هذا الخلل الإداري في أروقتها، كما أنه من المستغرب أن يوضع اسم وكيل وزارة في رئاسة تحريرها، وهي التي لم يتسلم منصبها هذا سياسي من قبل أبداً، فما الذي يحدث؟ ولمَ المساس بأحد أواخر معاقلنا الثقافية؟

اترك تعليقاً