ليست مأساة الروهينجا على ما تبدو هي مأساة اضطهاد ديني، بل هي مأساة اضطهاد عرقي، وهي محصلة الحرمان من هُوية البلد، كونهم عديمي الجنسية الميانمارية، التي تعاظمت بالاختلاف الديني واللغوي للروهينجيين. ما أود تأكيده هو أن مأساة الروهينجا ليست مأساة خاصة محصورة بين فئات دينية، بل هي مأساة بشرية عامة، تحتاج لتكاتف بشري، لا إسلامي فقط، لإنهائها بكل صورها الوحشية المفجعة. تجلت المأساة الروهينجية بوضوح أكبر في عام 2012 إبان إندلاع أعمال عنف في ولاية راخين بين عرقي الراخين والروهينجا غير المؤكدة أسبابها وطريقة تطورها، لربما إنطوت على حادثة خطف واعتداء على امرأة راخينية قابلها قتل عدد من الروهينجيين كانوا يستقلون حافلة، لتنفجر الأحداث بعدها وتأخذ منحاها الخطير الحالي (بعض المعلومات من مواقع الويكبيديا).
إلا أن أخطر ما ينطوي عليه الموضوع هو حقيقة أن الروهينجا هم من عديمي الجنسية الميانمارية (ما كانت تعرف ببورما سابقا) ولذلك السبب هم مكشوفون تماماً من دون أي رعاية دولية أو حماية رسمية. يعيش أكثر من مليون روهينجي، طبقاً لموقع السي إن إن، في ميانمار، معظمهم على الشاطئ الغربي لولاية راخين، حيث يشكلون ثلث أعداد السكان هناك وحيث لهم لغة، لا تعترف بها الدولة، وديانة مختلفتان. يؤكد موقع السي إن إن أن حكومة ميانمار ترفض الاعتراف بهم ادعاءً منها بأنهم بنغلاديشيون، إلا أن تاريخ الروهينجا الطويل في ميانمار يجعل تفاصيل أصولهم ومنبتهم أكثر تعقيداً مما تتدعيه الحكومة الميانمارية التي طالما اتهمتها منظمات حقوق الإنسان بالسكوت عن عمليات التطهير العرقي ضد الروهينجا.
يعيش اليوم معظم الروهينجا تحت خط الفقر وفي ظل ظروف صعبة جداً، فذات الولاية التي ترفض الاعتراف بهم، تمنع عنهم مغادرة مستوطناتهم التعسة بلا إذن مسبق من الحكومة الميانمارية. كما أن الحكومة البنغلاديشية، كما يؤكد موقع السي إن إن ترفض الاعتراف بهم، سامحة لهم أحياناً أن يعيشوا في مخيمات حدودية، إلا أنه كثيرا ما يتم إعادتهم إلى ميانمار، وهكذا تتقاذف ميانمار وبنغلاديش (وعدد من دول مجاورة أخرى) الروهينجيين بينهم بشكل اضطهادي لا يقبله أي منطق إنساني متحضر. وتكمن الكارثة الكبرى في صمت مستشارة (أو من تعد رئيسة وزراء) ميانمار، الناشطة الحقوقية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أونغ سان سو كي التي عانت هي ذاتها سابقاً من القمع والاضطهاد، حيث ترفض اليوم في كل تصريحاتها إعتبار ما يحدث للروهينجيين على أنه تطهير عرقي، حتى وصل الحال إلى المطالبة بسحب جائزة النوبل منها بسبب موقفها المتخاذل من القضية.
إن ما يحدث اليوم في ميانمار من اضطهاد سافر وقمع وحشي للروهينجيين سببه الرئيسي هو التخاذل الحكومي للدول المعنية التي تحيا هذه الفئة العرقية فيها، كما أن الصمت واللامبالاة العالميين زادا طين المأساة بلّة، حتى يكاد يغرق الروهينجا اليوم في مياه الرعونة والتخاذل العالميين. وعلى حين أن مأساة الروهينجيين هي شديدة الوطأة إلا أن الكثير من سكان العالم عديمي الجنسية يعانون من أشكال مماثلة (وليست متساوية) من الاضطهاد في ظل غياب كل شكل رسمي وترتيب قانوني لوجودهم على أراضي دولهم. إن مأساة الروهينجا هي مأساة غياب هُوية، التي تعتبر من أهم مقومات حقوق الإنسان، وغياب غطاء قانوني ووجود منظم موثق، كل هذا من شأنه تسهيل اضطهاد بل إبادة المعنيين وهم مكشوفين من دون وجود توثيق واضح يندرجون تحته يحميهم من تعسف الدول والحكومات والساسة العنصريين. الروهينجا ليست مأساة إسلامية، وتداعي المسلمين اليوم صراخاً لإنقاذهم على أساس من دينهم لن يأت بالنتيجة المرجوة. النداء يجب أن يكون لكل العالم، فالمأساة هي من صنع الجميع وهي مسؤولية الجميع وغير محصورة على دين أو حتى عرق معينين، وهو لا يجب أن يكون نداء استرحاميا، بل حقوقيا من الدرجة الأولى ينادي بالحق الأول والأهم: الحق في الحياة الآمنة الكريمة.
مصدر السي إن إن:
http://edition.cnn.com/2017/09/05/asia/rohingya-myanmar-explainer/index.html?sr=twCNN090517rohingya-myanmar-explainer0226PMVODtopLink