تحميل إغلاق

الدكتور مبروك

الدكتور مبروك عطية

الدكتور مبروك

أتابع بين الحين والآخر فيديوهات لبرنامج الدكتور مبروك عطية، والذي عنوانه «الموعظة الحسنة»، تبثه قناة «دريم» على التلفزيون المصري، وأعتبره صوتاً يخطو بالمجتمع الإسلامي خطوة جيدة للأمام. وعلى الرغم من أن القراءة التنويرية للدكتور عطية ليست على درجة التطور التي يبديها الباحثون الإسلاميون التجديديون الثوريون أمثال دكتور نصر حامد أبو زيد، وفاطمة المرنيسي، والدكتور محمد أركون، فهو يبقى أزهرياً ملتزماً بتراث ديني فيه الكثير من المثالب، إلا أن الدكتور يمثل حلقة وصل فكرية مهمة بين الفهم التقليدي للدين والقراءة التجديدية الإنسانية له، كما يمثل حلقة وصل فكرية مهمة بين الصوت الأزهري للدين والفهم الشعبوي له. الدكتور يقف في منتصف المسافة تماماً، في رأيي، بين الصوت التقليدي والصوت التجديدي، بين الصوت الأزهري الجاد والصوت الشعبي المرح، ما يجعل برنامجه مفيداً وملهماً لطلاب المعلومة الدينية، كذلك مسلياً وترفيهياً للمستمعين عامة.
أكاد الآن أستمع للدكتور، فيما لو وصله هذا المقال، يهزأ بي وبمقالي بأسلوبه الكوميدي المحبب، صارخاً أن من أكون أنا حتى أقيمه مدحاً أو نقداً. وعلى الرغم من اتساع الهوة بين أيديولوجيتينا، إلا أنني معجبة حقيقة بقراءته العقلانية للكثير من الأمور، والأهم لفهمه السيكولوجي العميق للشعب المصري الذي، بناء عليه، يبني هو خطابه ويحدد مفرداته. فحين يرد الدكتور على متصليه، سرعان ما يلتقط طرف المشكلة دون الحاجة إلى شرح مسهب، وسرعان ما يحللها مستخدماً المفردات «البلدي» الجميلة، مكرراً، في عارض نقده للموقف، الجمل التي يتداولها المجتمع المصري، محللاً بشكل مباشر ما يدور في الرؤوس والعقول وما يتم تداوله على الألسنة، مصرحاً من خلال صرخاته الخفيفة الظل عن مدى التعقيدات التي يخلقها المجتمع لنفسه ومدى انغراس هذا المجتمع في عادات وتقاليد أبعد ما تكون عن المفاهيم الدينية التي يراها الدكتور صحيحة ثابتة.
يرى الدكتور مثلاً أنه وفي حين أن الميراث مفروق بين الذكر والأنثى، إلا أن ذلك لا يعني وجوب تقديم معاملة تمييزية للأخ عن أخته مثلاً، يجب على الوالدين أن يقدما من العطايا ما يستوي تماماً للجنسين، أما بعد الموت فالشريعة كفيلة بتقسيم المتبقي. وفي حين أن الدكتور يقر بصحة تعديد الزوجات كحق للرجل، إلا أنه يقول «بجوازه» لا بتفضيله واستحسانه، حيث يبقى يذكر مشاهديه بأسلوبه الشعبي المحبب أن «من يحمل قربة ستخر على رأسه» تنفيراً لهم من تعدد ستصعب معه العلاقات والحياة بمجملها. أكثر ما يجتذبني في أحاديث الدكتور هو كلامه في مواضيع الزواج، فحين تأتيه اتصالات سائلة حول الموضوع، يعرف كيف يستفسر عن الظروف المحيطة بالمتصل، سابراً غور المشكلة وبشكل كوميدي عميق المعنى، ليكشف عن دقائق حياة المجتمع المصري المنغمرة في المصاعب المادية والمفاهيم الاجتماعية شديدة التعقيد والتوقعات والتدخلات والشروط التي من شأنها جميعاً أن تحول الكثير من الزيجات إلى ما يشبه الصفقة المالية التي تتدخل فيها أطراف متعددة «لتخربها وتجلس على تلها» كما يحب هو أن يكرر أحياناً، وكما يحدث في العديد من المجتمعات العربية الأخرى الغائرة في عاداتها وتقاليدها التي تغلفها مع مرور الزمن بغلاف الدين.
كما وأحب كثيراً حديث الدكتور عن مفهوم الحب، الذي يرى هو أنه مفهوم شبه خيالي، لا يتكرر كثيراً، إلا أنه يُستخدم بشكل مستمر ليعبر عن حالات نفسية أخرى غير حالة الحب في الواقع. يرى الدكتور أن الحب حالة نفسية سامية ترتفع بالإنسان إلى درجات لا يستطيع عندها سوى أن يرى كل ما يأتيه محبوبه خلاباً فائق الجمال، ليتقبل منه ما يفوق قدرة البشر وليهزل بدنه بمجرد فراق هذا الحبيب، ولينكب على يدي وقدمي الحبيب مقبلاً إياها جميعاً بلوعة محب لا يرى سوى صورة الحبوب ولا يشتم سوى أندى روائح جسده وروحه. يروقني ويقنعني هذا الوصف فائق الشاعرية والواقعية في الوقت ذاته، فالكثير من المشاعر التي نصفها بالحب هي انجذاب مؤقت أو رغبة أو حب تملك أو غيرها، أمــا الحب الحقيقي فلربما أقل القليل من البشر هو من اختبره وحيا به حياة تختلف عن حيوات المحيطين به.
طبعاً كل هذه الآراء المختلفة المميزة لا تبعد بالدكتور عن الرؤية التقليدية الاستشكالية الدينية، وخصوصاً في مواضيع حقوق المرأة في الدين، إلا أن ما يضفيه الدكتور من يسر وسلاسة في التعامل مع هذه المواضيع وغيرها كذلك يخفف من وطأة النظرة الذكورية، التي تبقى مغلفة للكثير من آراء الدكتـــور، لتخطــو بالمستعمــين إلى حيز أكثر واقعية وعقلانية وسلاسة في التعامل مع أمور حيواتهم اليومية.
ويبقى أنه على الرغم من أسلوب الدكتور الحاد وصوته الصارخ وتعزيره المقترب من الشتم الخفيف أحياناً، إلا أنه يغلف كل ذلك بكوميدية مصرية محببة وذكية، منتبهة تماماً لما في حيوات الناس، ومستوعبة تماماً لما في قلوبها وعقولها على حد سواء، ولربما سيكون موضوع المقال المقبل أحد المواضيع الاجتماعية التي يناقشها الدكتور والتي أتفق معه حولها إلى حد كبــــير. تجـــدون حلقات ومقاطع برنامج الدكتور مبروك عطية على «يوتيوب»، تابعوها لفهم أكثر حداثة للدين التقليدي ولتعمق أكثر فاعلية في ثقافة المجتمع المصري وطبيعته، وللكثير من الترفيه الاجتماعي اللطيف.

اترك تعليقاً