دعيت الأسبوع الماضي إلى تقديم كلمة حفل تخرّج الفوج الثامن من طلبة الماجستير في معهد الإعلام الأردني، هذا المعهد الذي تم إنشاؤه على يدي الأميرة ريم علي زوجة الأمير علي بن الحسين سنة 2009 الذي يقدم خدمة تعليمية استثنائية، معظمها عن طريق منح مجانية، لطلبته المميزين.
«يسعى معهد الإعلام الأردني» كما تنص النبذة المقدمة عنه على صفحته الإلكتروينة «إلى الإسهام في إرساء معايير جديدة للتعليم الصحافي في الأردن ومنطقة الشرق الأوسط، تلبية لمطالب العديد من الصحافيين»، حيث أن أشد ما جذب اهتمامي لهذا المعهد هو فلسفته الأخلاقية التي تضع القيمة الإنسانية في صدارة العمل الصحافي، كما ينص نظامه الأخلاقي على صفحته الإلكترونية على أن « معهد الإعلام الأردني يتخذ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خاصة البند رقم (19)، دعامة أساسية لعمله. فيأتي النظام الأخلاقي للمعهد ليعكس أفكار الصدق والدقة، والديمقراطية والمسؤولية، والأمانة المهنية والاستقلال، التي تؤدي في مجملها إلى تفسيرات عادلة شاملة للأحداث والقضايا.» وبعد زيارتي إلى موقع المعهد وحديثي مع العديد من موظفيه وأعضاء هيئته التدريسية وبعض طلبته، تبين لي أن قصة هذا المعهد مختلفة عن قصص الكثير من المعاهد والمؤسسات التعليمية المتناثرة في عالمنا العربي، فهذا المعهد بطاقمه الفني والأكاديمي، وبحجمه الصغير وخطواته الثابتة في عالم الدراسات العليا، بدا أنه ملتزم القيم والأهداف، صادق الرؤية، جريء الخطوات، وأهم الأهم، مغموس في الحس الإنساني للرسالة الصحافية، وهو حس لم يختف من كلمات كل من تحاورت معهم من موظفي وأكاديميي وطلبة المعهد.
إلا أن للقصة بُعدًا آخر، دفع بي لأن أكتب مقال إعجاب وتعريف بهذه المؤسسة التعليمية، وهو التوجه الذي قليلا ما أتّخِذه عند كتابة مقالات هذه الزاوية. كان التواصل منذ بداية الدعوة مباشرًا مع الأميرة ريم علي، التي رتبت بنفسها من خلال رسائل مطولة على الإيميل معظم جوانب الدعوة. تفكرت أنا في الموضوع وأنا أحاول قياس مدى تواؤمي، بطبيعتي المعارضة، وهذه الزيارة ذات الصلة الملِكية، وعلى أنني أشعر بأن دور المعلم الأساسي يُلزمه المشاركة في المناسبات الطلابية قبل كل مناسبة أخرى، إلا أن مصدر الدعوة حيرني، واتفاق ما سأقول في الكلمة مع التوجه العام للمؤسسة أرّقني، وبقي هذا القلق مصاحبًا لي حتى لفحتني نسمات عمّان النقية ترحب بوصولي بطراوة ورقة.
في اليوم التالي على وصولي استقبلتني الأميرة ريم في منزلها، حيث أقبلت علَيَّ هذه السيدة رقيقة القوام بابتسامة جميلة ومظهر هادئ بسيط، لتبدأ سريعًا الحديث بفخر واعتزاز عن معهد الإعلام الأردني. تحدثت الأميرة عن رؤيتها، عن آمالها تُجاه هذا المعهد، عن رغبتها في تكوين أجيال صحافية قادمة قادرة على تغيير وجه الصحافة العربية. لم تطلب الأميرة ريم كلمتي التي سألقيها في الحفل مسبقًا، لم تلمح ولم تسأل، هي فقط تحدثت عن حلم المعهد وعن الرحلة الرائعة الشاقة التي أتت به للواقع. سألتها أنا عن خبراتها السابقة في محطة السي إن إن، سألتها عن شعورها عند مغادرة عملها في هذه المحطة المهمة، سألتها عن الحياة في الأردن، سألتها عن مصاعب الدراسة والعمل، ثم دفعت بالسؤال إلى المعارضة، ثم ضغطت حديثا عن المشاكل الحكومية، لتأتي أجوبتها دائما هادئة متزنة، والأهم، صادقة غير متكلفة. إلا أن الإنسان لا يبدو فعلا على حقيقته، لا يظهر معدنه، إلا عندما تراه في بيته من خلال علاقاته الأسرية. تحدثت الأميرة عن طفليها، عن مشاغل المدرسة، وعن زوجها الأمير علي. كان في حديثها عن زوجها تحديدا إعجاب صادق ومودة دافئة، والأهم، شعور عارم بالأمان. تحدثت عن إيمانه بالتطوير، اهتمامه بالفنون الذي تجلى في عمله معها على إنشاء الهيئة الملِكية للأفلام، ورغبته الحقيقية في التغيير التي تجلت، حسب قولها، في دعمه المستمر لعملها. كانت ريم بسيطة، صادقة، مهتمة بكل سؤال وملحوظة، والأهم، كانت امرأة تلمع عينيها حين الحديث عن زوجها وطفليها.
أنا في الواقع أعرف أقل مما يجب عن السياسة الأردنية، وعن أداء العائلة المالكة في هذا البلد الجميل، وليس مقالي هذا سياسيا مطلقا، ولو كان؛ لكان له طعم ناقد وفحوى معارض مختلفين تماما. هذا المقال يحكي قصة جهد مثير للإعجاب، قصة حلم صغير تحول إلى معهد صغير، طلبته مبدعون مؤمنون برسالته، أكاديميوه جادون ثوريو التوجه مميزو الخلفيات العلمية، طاقمه مترابط دافئ له روح العائلة الصغيرة، مؤسسته هي ابنة «كاره»، صحافية مخضرمة مغرمة بالخبر والصورة لم تأخذها حياتها الجديدة بعيدا عن آمالها، كما لم تحرمها من مثالية تطلعاتها. هذا المقال يحكي قصة هذه الدعوة الجميلة وما صاحبها من أحداث عجيبة، الزيارة البسيطة لبيت الأميرة ريم، أكياس الزعتر الطازجة التي خرجت بها، المبنى المميز والمجهز بإتقان للمعهد، الغداء اللذيذ مع السيدة الرائعة بيان مستشارة المعهد الأولى، الطلبة المختلفون في حلمهم وإيمانهم، الجدات حاضرات الحفل اللاتي طبعن قبلاتهن العبقة على وجنتيّ، العشاء اللاحق الذي شمل نخبة من أكاديميي الأردن الذين تركتهم وكأنني أترك أصدقاء عمر، محبتهم ممتدة بعدد سنوات عمري، وأخيراً الاتصال الأخير من الأميرة ريم وزوجها الأمير علي بعد وصولي الكويت، يجددون شكرهم لحضوري وكلمتي، حيث اشتكى الأمير من أن زوجته لم تدعه للحفل، وحيث أكدت أنا له أنني سأكون وساطته للدعوة العام المقبل، وحيث كان ختام المكالمة ضحكات صافية تخفي خلفها أحلاما صادقة، لربما حين تجتمع الأطراف باختلاف توجهاتها وتفرق طرقها على العلم والحلم، حينها يمكن أن يتحقق التغيير.
المعهد يستحق المساندة والاهتمام، وطلبتنا من أنحاء العالم العربي يستحقون أن يعرفوا عن هذا الصرح الأكاديمي المميز الصغير الذي ربما يغير ليس فقط مسارهم الأكاديمي بل نظرتهم للعمل والحياة. أدناه رابط صفحة المعهد الإلكترونية، أتمنى أن يحظى هذا المعهد باهتمام عربي عام، وأن يكون له نصيب كبير من التمويل والمساندة، حتى يكبر ويتسع للمزيد من العقول العربية الصحافية المميزة.
رابط صفحة معهد الإعلام الأردني:
http://www.jmi.edu.jo/ar