تحميل إغلاق

فينوس

فينوس

كل عام وأنتن بخير بمناسبة مرور يوم المرأة العالمي على دنيانا الجائرة، دنيا رجولية بامتياز حفرت فيها النساء الطريق بأياديهن، ضحين فيها بأبدانهن وصحتهن وحتى أرواحهن، لنصل نحن اليوم إلى هنا، وأين هنا؟ لربما الربع الأول من طريق تحررنا الإنساني الكامل. اليوم نستذكر كيف صنعت النساء يوم 8 مارس/آذار، هؤلاء النساء العاملات المنهكات المستغلات اللواتي ضاعت أعمارهن وصحتهن لتوفير رغيف خبز وسقف يعلو رؤوس أبنائهن. انهن النساء الفقيرات، انهن الكادحات، هن من بدأن الطريق من روسيا إلى أمريكا مروراً بشرقنا الأوسط، هبوطاً إلى أفريقيا، صعوداً إلى أوربا، انهن حبيسات المصانع المقموعات أمام آلات متوحشة جائرة لا ترحم ضعفهن وجوعهن وحاجتهن، عجنت أجسادهن وحرقت خصوبتهن، فكان الجوع وكان الخوف وكان الألم وكان الغضب ثم كانت الثورة، ليس فقط تجاه الفقر والمعاناة ولكن تجاه فقر ومعاناة المرأة تحديداً وهاتين لا مثيل لهما ولا انحدار لمستواهما في العالم الذكوري مهما ارتفعت معاناة الرجل، هذا الرجل الذي لن يفهم في يوم التجربة النسوية الإنسانية بأبعادها الا اذا تلبس جسد إمرأة وعاش يوم في ثوبها اللحمي ومن خلال عينيها الأنثويتين.
اليوم نستذكر، ولا يكفي أن نستذكر، اليوم نحتفي على أن يكون إحتفاؤنا متجسداً باحترامنا التام لنسويتنا، اليوم نشكر نساء العالم اللواتي ضحين وحفرن الطريق ليس فقط بإرسال رسائل المباركة والتعاضد ولكن بإرسال رسائل مصورة من حيواتنا، نعيشها إحتفاءاً بشهيداتنا السابقات في كل بقعة من بقاع الدنيا، بإصرارنا على أن نكون إنسانات كاملات، برفضنا الرضوخ لأي خطاب يحمل ولو لمحة إهانة أو استصغار أو تمييز. اليوم نشكر من فقدن حيواتهن، من جعن وعانين وتحملن صنوف الحرمان ومررن بصنوف العذاب في تجاربهن مع الرجال بأن نرفض أي صورة تمييزية أوخطاب متحيز يستصغر فينا نسويتنا أو يضعنا تحت وصاية أو يلمح مجرد تلميح لنقص فينا بسبب أنوثتنا، نرفض إحتراماً لتضحياتهن ومعاناتهن، وامتناناً وافراً للطريق الذي حفرن، رفضنا هذا هو الإحتفاء الحقيقي بانجازات شهيدات الدنيا وهو ما يعطي القيمة الحقيقية لتضحياتهن ومعاناتهن.
سيدتي، أنتِ انسان كامل لا تحتاجين رجل تقيسين حقوقك على مقياسه، لا تريدين مساواة به فهو ليس وحدة القياس. أنت أيتها المرأة، أنت اليوم وحدة القياس، فانظري ما تريدين وتستحقين واسعي خلفه مهما كان موقف الرجل منه. أنت رمز الحياة، دمك، بما فيه دم محيضك، هو أطهر دم في الدنيا، هو ما جعلك إلهة ذات زمن، هو ما كان يتبرك به الأقدمون، فلا تسمحي لأحد أن يعتبر نجاسة أو يصور لك بطلان تقربك من خالقك عند تحرر الدم الطاهر من جسدك. أنت لست غواية، كعب قدمك المستدير هو محط وقوفك فأظهريه وطقطقي بحذائك ليسمعك العالم. وجهك هويتك، فارفعي ستائر الخوف، وابتسمي وأنت ترينه للدنيا. عطرك هو علامة وجودك، فتدللي به ودللي بنفسك عليه، لست أداة غواية ولست مصدر شهوة، أنت إنسان كامل متكامل لا يفرق عن الرجل شيئ، لربما يفوقه في أشياء، فلا تهبطي بأذنك لمن يصنعك رغبة ويقولبك شهوة، لمن يفسرك خطورة على عزائم الرجال، لمن يخبرك أنك مجرد رحم يصنع البشر، لمن يؤكدك من أغلبية رواد الجحيم الأخروي، إن صدقت فقد سكنت الجحيم الدنيوي وسمحت بأن يُسرق منك الزمن القليل الذي هو لك في هذه الدنيا.
أنت صانعة الحياة، فلا تسمحي لعرف أو تقليد أو فكرة أو حتى دين أن يشعرك أنك أقل في يوم، أنك موصى عليك، أنك في عصمة أحد، أن واجبك هو الطاعة، أن دورك الزوجي هو الاستجابة لرغبات ذَكَرك، أن حقوقك هي النصف لأنك نصف، لأنك الجانب الإنساني الأضعف الذي يحتاج حماية. أنت الكمال الإنساني فلا تسمحي لأحد أن يقنعك أنك أقل مما أنت. احتفي بنفسك وقفي على قدميك وأسمعي الدنيا صوت خلخاليك، صوتهما ترنيمة ملائكة، فأطربينا يا الهة الجمال.

اترك تعليقاً