كان خبر تلفزيون الصباح ليوم 21/10 الماضي يتردد مراراً وتكراراً أن قابل آل الصباح سمو الأمير وعاهدوه على الولاء والطاعة، وقد تكون تلك الفكرة هي لب المشكلة، ففي الدولة المدنية، ألا يجدر بالخبر أن يكون أن اجتمع آل الصباح والمستشارون والخبراء بسمو الأمير وأعلنوا توافقهم وسياساته الحاكمة واتفاقهم وقراراته السياسية؟ لماذا يعاهد الشيوخ على الطاعة ولدينا دستور وقانون وقضاء يحفظ حقهم وحق الشعب وقبلهم جميعاً حق سمو الأمير؟
ولقد دارت علينا رسائل تعدد خيرات الكويت مطالبة إيانا بأن “نحمد الله على النعمة”، وهو خطاب حزين جداً يعكس الفكر العربي المسكين الذي يرى أن لقمته وكسوته، أو بالأحرى نقصهما، هما المحفز الوحيد لمخاطبة السلطة. هنا انحصرت تطلعاتنا، وعليه هنا تحبس كينوناتنا، أوادم استهلاكية، رعايا تنتظر أن تُملأ أفواهها طعاماً أو ذهباً.
والمحزن فعلاً هو أن هؤلاء يعتقدون أن الخير والنعم هي هبات حكومية سلطوية، وأنها تستوجب الشكر والعرفان والامتنان. متى فقد البعض القدرة على رؤية أنفسهم مواطنين كاملي الأهلية، شركاء في الوطن، حتى باتوا يحمدون ويشكرون خيرات لا يحمد عليها سوى الخالق ولا يوالى بها سوى للأرض، خيرات نراها ذرو رياح الفساد والتقاعس والسياسات الحكومية، خيرات لا نقدرها نحن حق قدرها حين نرفض نحن بحد ذاتنا أن نرعاها ونؤمّن بها مستقبلنا وننعشها بتحمل مسؤولية نظام مثل الضرائب؟
وأما المضحك المبكي فهو أن ذات حجة النعم المستخدمة لإخماد اعتراض المعترضين، ليست بالمقبولة لتبرير ثورة “البدون”. فسكان تيماء يحيون تحت خط الإنسانية، وسكان الإسطبلات تحت خط الحياة بأكلمها، ولكن يبدو أنه حتى هؤلاء لا يُبرر لهم خروجهم على الرغم من أنهم محرومون ليس فقط من النعم، ولكن كذلك من الفتات الذي يحفظ الكرامات. وأما المؤسف المحزن فهو أن يستخدم أصحاب حجة النعم أسلوب التخويف المستقبلي من الإسلاميين والقبليين الذين سيحولون الدولة المدنية إلى ولاية عشائرية. الآن بدا الخوف واستلزمت المقاومة؟ سنوات ونحن نصرخ وأنتم ملتهون بنعمهم، لا تردون ولا تحركون ساكناً، وذات المنطق دائم الخرير من الأفواه: “احمدوا الله ولا تكبروا الموضوع”.
وها هو حمدكم للنعم قاد حكوماتكم لتحالفات مع قواكم الدينية والعشائرية لتصبح هاتان قوة ضخمة ليأتي اليوم فتلتفّ على حكوماتكم بحد ذاتها. واليوم ونحن نحذر من حكومات تطغى وتستبد ويستشري بها الفساد، ذات الخرير ينساب: “احمدوا ربكم على النعم”. الحمد والشكر لا يستلزمان إغماض العينين وإغلاق الأفواه والسير بعرج كالمتسولين. لسنا متسولين، ولا نضع أيادينا في جيب أحد نأخذ مما أعطاهم الله. نحن مواطنون، شركاء في هذا الوطن، لنا الحق في خيراته، ولنا المشاركة المستحقة في قراراته، وعلينا تقع مسؤولية مصيره.
فات زمن الرعايا الذين ينتظرون النعم، نحن في زمن المواطنة التي تتحمل المسؤولية. هل يشكل الإسلاميون خطراً؟ بلا شك، ولكن من قال إن المسير سهل؟ نحن أوصلنا البلد إلى ما هو عليه بحمدنا الخانع المستمر على النعم، وها هي النعم توشك أن تطير، والحريات توشك أن تطير، والعقول توشك أن تطير، ولا يزال كل ما في جعبة البعض أن يحمدوا ويشكروا النعم… التي هي ملكهم في الأصل. والحمدلله الذي لا يشكر على مكروه سواه.
«آخر شي»:
ما العنف الذي تتعامل به الدولة مع مواطنيها سوى دليل على نظرتها له، هل ما يحفظ للسلطة مكانتها هو أن تصر حتى لا تنكسر كلمتها أم أن تتواصل مع المواطنين وصولاً إلى الحل الوسط؟ لقد أسست الكويت أخيراً للتعامل العنيف مع مواطنين عزل، وهذا التأسيس سيدخل في الوعي الجماهيري قريباً.
الحكومة تريد القيادة؟ حسناً، فهي قيادة على كل الطرق، فإن اختارت أن تقود الحوار بالعنف، فسيتبعها المواطنون. أنتم الطرف الأقوى اليوم، فأحسنوا اختيار أسلوبكم، وعاملوا المواطنين على أنهم مشاركون وصناع قرار لا رعايا، فزمن السمع والطاعة فات… طال عمركم.