تحميل إغلاق

ملك يمين

ملك يمين

كل معلومة هي ملك يمين الرقابة التي تسوقنا، أحياناً باختيارنا بعد أن حولتنا رقباء عصابيين على أنفسنا، إلى مولانا ليقرر هو في مصيرنا ومصيرها ما يشاء، ولكن هل مولانا، في هذه الحالة الحكومة، حقاً مهتم برفعتنا الدينية الأخلاقية؟

كل سنة هو الصراع ذاته، نشتكي رقابة الكتب، نحلل أسبابها، نفلسف غباءها، ثم سرعان ما ننسى القضية إلى حين أن تطفو على السطح مجدداً في الموعد ذاته المعقود مع افتتاح معرض الكتاب. الرقابة وقوانينها المتعددة ختاماً بقانون المطبوعات هي واقع حياتنا اليومية، كل مادة مرئية، كل كتاب مطبوع، كل موقع إلكتروني، كل معلومة منقولة نعلم أنها جميعاً تحت طائلة الرقيب، ما يفلت وما يُحاصر منها هو قيد المصادفة البحتة. كل معلومة هي ملك يمين الرقابة التي تسوقنا، أحياناً باختيارنا بعد أن حولتنا رقباء عصابيين على أنفسنا، إلى مولانا ليقرر هو في مصيرنا ومصيرها ما يشاء.

ولكن هل مولانا، في هذه الحالة الحكومة، حقاً مهتم برفعتنا الدينية الأخلاقية؟ هل تدفع الحكومة بالرقابة على الكتب وتقرر منع المئات منها سنة بعد سنة لأنها تخشى على أخلاقنا الحميدة مثلاً؟ لأنها قلقة على إتياننا الجنة أو لقيانا النار؟ من المؤكد أن الحكومة لا يعنيها أن نكون أصحاب أخلاق حميدة، أخلاق مطيعة ربما، وهذا الهدف يبرر منع بعض الكتب وليس كلها، لا تشعر الحكومة “بالأبوة” تجاهنا (وإن تظاهرت)، ويجب ألا تشعر بذلك، الحكومة أجهزة، مجموعة موظفين يديرون شؤوننا تكنيكياً، لذلك، ذهبنا للنار أو لاقينا الجنة، كانت أخلاقنا حميدة أو كنا من المارقين، هذا لا يعني الحكومة في شيء، ويجب ألا يعنيها في شيء طالما أننا ملبون التزاماتنا المنصوص عليها في العقد القائم بيننا وبينها. إذاً لماذا تراقبنا الحكومة في كتبنا، برامجنا، تغريداتنا، مواقعنا الإلكترونية، صورنا الإنستغرامية، وغيرها من المواد التواصلية؟ على ما يبدو، لا يخرج الوضع عن كونه تراضيا سياسيا، إشهار ولاءات، وتثبيت مراكز قوى، والتي غالباً ما تقوم جميعها على أنقاض الأخلاق في الواقع.

المثير في الموضوع، أن الرقابة، كأداة مرجو منها تعزيز مواقف سياسية وتقوية ولاءات، تقوم، على عكس المتوقع، على تعزيز الأفكار المتطرفة (الفكرة تفصيلاً في مقال قديم نشر في الغارديان في 2015) من حيث منعها للأفكار الجديدة من الدخول على خط الحوار، حيث تبقى الأفكار القديمة تتنافس فيما بينها لترتفع نسبة التطرف المرضية فيها بعد تزاوج الأفكار ذاتها المستمر ببعضها البعض. لا أعرف حقيقة إن كانت الحكومة مستمتعة ومستفيدة من هذه المعركة السنوية خلال كل معرض كتاب أو متضررة منها، فقط أعرف أن المعركة باتت ساذجة والنضال محرج وهو يتلبس ثوب القرون الوسطى. ستستمر الحكومة في فرض الرقابة لأنها مستمرة في شراء الولاءات، لذا عندك ولاء للبيع تفضل، ما عندك، أنت ونضالك في أمان الله.

اترك تعليقاً