صورة مع كيم

أكتب مقالي وأسلمه قبل يوم ظهور نتائج الانتخابات، وذاك من حسن حظي حتى يتسنى لي أن أتحدث فيما هو أخطر من الانتخابات ونتائجها، أي في النهج الحكومي وتداعياته وانهيار سقف ادعاءاته من حيث الحريات التي كثيراً ما كان الاعتداء عليها الممسك الرئيسي على المعارضة المبطلة.

ولا يمكن هنا سوى التأكيد على أن هاجس الحراك الشعبي الحالي في جزء كبير منه هو فصل نفسه عن المعارضة التي هي المعتدي الأكبر على الحريات في توجهها العام، المروج الأضخم للكثير من الفكر الطائفي والقبلي والمؤسس لأسلوب جديد متداعٍ في الحوار. بالنسبة لي المصيبة الأعظم هي الاعتداء على الحريات، ففي حين أن الحروب الطائفية والقبلية هي غاية في الخطورة على صحة الشعب، فإن سحب حرياته هو السم الزعاف القاتل. وفي حين أن التخويف من قمع المعارضة للحريات ومن توجهها الإسلامي المتطرف كان الرافد الرئيسي في حراك المشاركين، تأتي الحكومة “المتحضرة” لتمنع د. بدرية البشر من دخول الكويت بسبب جملة في أحد كتبها يرون أنها تمس الذات الإلهية، وهو كتاب يباع في ذات الوقت في معرض الكتاب. كيف يشعر من شارك في الانتخابات أن هذه الحكومة هي أكثر أمناً وأهون شراً من معارضتها؟

الساحة خلت لك يا حكومة، فماذا كان الدافع وراء إهانة الدكتورة بهذا الشكل؟ وما هو الداعي لإعادتها على طائرة لاحقة دون حتى تسليمها جواز سفرها، الذي بقي مع ضابط أمن لحين وصولها إلى دبي لتسليم جوازها لضابط آخر هناك؟ ولكن لحظة، في ذات الوقت، سمحت الحكومة لكيم كارداشيان بالدخول وأكرمت استقبالها ودفع مَن دفع مبلغ 350 ديناراً ليجلس معها في ذات القاعة على العشاء، ويتشرف بصورة في حضرتها. وبلا شك، أنا أرحب بالسيدة كارداشيان، وإن كنت لا أعرف تماماً ما هي قيمتها الفنية، ولكن تبقى زيارتها واهتمام مَن يهتم بها محفوظين تحت باب الحريات والانفتاح والاحترام لقيمة كل إنسان طالما لم يأتِ بما يضر أمن البلد الذي يزور.

ولكن السؤال هو ما هي الرسالة التي ترسلها لنا الحكومة؟ أهي أن د. بدرية بإنتاجها الأدبي أكبر خطراً علينا من كيم كارداشيان وإنتاجها الخفي؟ لابد أنه ذاك، فبدرية، كما كل الكتاب، تحاور العقل وتحفزه وتثيره لأن يفكر، وذاك بلا شك خطر كبير على العقول العربية التي ما فتئت حكوماتها أن فرضت عليها علاج الراحة السريرية الذي كان يفرض على النساء في القرنين الثامن والتاسع عشر، حين كانت النساء اللواتي يعانين أي اضطراب هرموني، خصوصاً ما بعد الولادة، يُعتقد أنهن أرهقن عقولهن في النشاطات الفكرية، وأن عقل المرأة لا يحتمل التفكير والتحليل، وعليه، تحتاج إلى سبات عقلي وجسدي قد يمتد شهوراً طويلة.

إلا أن السبات المفروض على شعوبنا هو سبات أبدي، ومن يحاول أن يصحو يصفعونه على وجهه بكيم كارداشيان، فتتخدر حواسه بالرموش المعقوفة والخدود الوردية والقد الجميل، فيذهب إلى غيبوبته راضٍ سعيد. هكذا فعلت حكومتنا التي استجار برمضائها الكثيرون من نار المعارضة، وكلاهما حارق ساحق، كلاهما يود أن يرقدنا في أسرتنا، فالتفكير يرهقنا والتحرك يؤذينا وأي محاولة للبحث عن طريق مخالف للحكومة والمعارضة هو قفز للمجهول المظلم المخيف.

سأطلب هذا المجهول وأحتمي في ظلامه ألف مرة قبل أن أطل في وجه معارضة طائفية قبلية متحجرة أو أصافح حكومة تفتح مطارها لكيم كارداشيان، مع الاحترام لشخصها الإنساني لا الفكري أو الفني، وتغلقه في وجه د. بدرية البشر. ماذا تركتم للمعارضة المبطلة وأنتم تنافسونها حتى في سوقها الرديء؟ المعارضة “تزعق”، أما الحكومة فهي صاحبة القرار، وها هو قرارها يأتينا حتى بلا “زعيق” المعارضة، وها هي الحريات تداس بالأحذية اللامعة باهظة الثمن. لا بأس، المهم أن نُصور مع كيم كارداشيان.