شيء ما ينضح قبحا، يؤلم ويخجل وهو يشير إلى مشكلة كبيرة في العقلية العربية التي تقدم والتي تتلقى، وذلك في برنامج رامز الذي يتفشى في رمضاناتنا كل سنة. يحكي البرنامج عن مبالغاتنا التي تقلب الكوميديا سخافة والمزاح وجعا والشعبية ابتذالا. ليس الخطير فقط هو الدلالات تجاه صانعي البرنامج ومقدمه اللاهث خلف الشهرة والانتشار عن طريق استنزاف مشاعر ضيوفه والاستهزاء بهم، وهم في أضعف حالاتهم وأكثرها رعبا وأقربها شعورا بالموت، إنما الأكثر خطورة هو اقبال الجمهور العربي على البرنامج والتداول المتسع له، والذي يحكي قصة وجع في القلب العربي لا يزيله إلا ما يفوقه ويتعداه وصولا إلى استخدام لحظة الرعب من الموت.
وعلى قبيل الصدفة، شاهدت حلقة واحدة هذه السنة من هذا البرنامج كانت الضحية فيها الفنانة عفاف شعيب، والتي انهمر عليها مقدم البرنامج سخرية شكلا وموضوعا، وبقيت طوال الحلقة أفكر، ماذا لو أن سكتة قلبية أو جلطة دماغية أصابت الضيفة، خصوصا وهي ليست في مرحلة شباب الجسد الذي يتحمل الصدمات، ماذا لو أن خللا حقيقيا حدث للطائرة وقائدها يتلاعب بها من قبيل إذعار الضيف، ماذا لو أن الضيف في لحظة ذعره ألقى بنفسه فعليا من الطائرة؟ الاحتمالات لما يمكن أن يحدث في الجو من كوارث والإنسان يواجه لحظة موته لا تعد ولا تحصى، ومن المعروف أن كل المقبول من مداعبات أو حركات على الأرض غير مقبول في الجو الذي تتضاعف في هوائه المخاطر، فأي عقلية مريضة ارتأت في هذه الخدعة المميتة كوميديا تستحق النشر؟ وأي عقلية متلق تلك التي تستمع بمشاهدة الآخر وهو في لحظة ذعر عميق واقتراب حقيقي، على ما يعتقده هو، من الموت؟
ومن انتويت بعد هذه الحلقة البائسة أن أكتب مقالة، ثنيتها بأخرى في اليوم التالي محاولة أن أكون موضوعية، ومعطية البرنامج المقيت فرصة أخرى، فكان الضيوف الفنانة مها أحمد وزوجها مجدي كامل اللذين تلقيا من ضروب الإهانة ما لا أفهم له سببا ولا للسكوت عليه مبررا، فالسيدة توجهت لها كلمات مثل «هبل» و «واطية» حيث بقي المقدم يقارنها بغيرها من السيدات ساخرا من حجمها متنبئا بالتفات زوجها لغيرها من الجميلات في البرنامج. الحق أنني لم أستطع إكمال الحلقة، فضرب المقدم في نهايتها لا يقل هبوطا عما يحدث على امتدادها، حيث يرسم البرنامج بمقدمته البذيئة وأحداثه المؤذية ونهايته العنيفة بشكل أو بآخر واقعا بشعا نحن نعيشه وعقليات مريضة نحن نتعايش معها.
أعلم أن هناك الكثير من الحديث عن تلفيق الحلقات وعن اشتراك الضحايا فيها عن معرفة، فإن كان البرنامج حقيقيا فتلك مصيبة وان كان تمثيلا فالمصيبة أعظم، فإن تأخذ المقدم الرغبة في الشهرة والانتشار وأن تستولي عليه الشراهة أن يكون «كول» إلى هذا الحد من الابتذال والطعن في الآخرين والسخرية من أدق لحظات ضعفهم فهذه مصيبة مبررة بالجشع، لكن أن يتشارك الضحايا في إظهار أنفسهم بالصورة التي بدو عليها للأسباب ذاتها فهذه مصيبة أعظم لا مبرر لها ولا تفسير، وعليه فإنني أتمنى ألا تتعاظم مأساتنا بثبوت اشتراك الضحايا في هذه المهزلة الرديئة.
قبل سنوات عدة عديدة، لم أبلغ أنا وقتها العشرين بعد، إذا كانت حسبتي صحيحة، قدمت إحدى دول الخليج، لا أذكر أيا منها تحديدا، برنامج مقالب لا أزال أتذكر إحدى حلقاته بقلب متألم. كانت الخدعة أن يقترب فريق من بيت ما مدعيا أنه من وزارة ما ويطالب العائلة بإخلاء البيت لصدور قرار فوري بإزالته. لا أزال أذكر وجه رجل مسن، وقف أمام باب بيته مادا ذراعيه صداً عنه قائلا بصوت متحشرج: إذا كان ولا بد فلتهدموني معه، اقتلوني مع بيتي. ما وجدت سوى الدموع تردد صدى صوت الرجل، ومن يومها ما كرهت في حياتي مثلما كرهت مثل هذه البرامج البائسة التي، مثل كل شيء نستورده من الخارج، ما عرفنا نوظفها بخفة وكوميدية، وما استطعنا الا أن نضعها في فرن مبالغاتنا وتهويلنا، حتى بات الحزن فيها أكثر من الضحك.
فإذا استطاعت جموع الشعوب العربية أن تجد فكاهة في هذا الأذى ولطافة في هذا الهلع وشخصية «كول» في مبالغات وتصرفات وألفاظ وهياج هذا المقدم، فنحن إذن في أمس الحاجة للمساعدة.
آخر شي:
بكل أسف، كان للمسلسلات الكويتية الرمضانية هذه السنة الصدارة في رداءة الحوارات ولا منطقية الأحداث، عندنا من المواضيع ما يملأ ساعات بث كل قنوات الدنيا، فلم نحن هنا؟