هزيمة

كنت سأكتب عن أزمة شوارع الكويت مع الأمطار والتي تتكرر كل سنة ليتفاجأ بها المسؤولون كل سنة كذلك، هذه السنة مع أداء عال بإقالة البعض من مناصبهم تأكيداً على تفاجؤ الحكومة وسرعة رد فعلها وشدتها في محاربة التقاعس والكسل. ثم بدأت تتوارد هذه “الستيكرات” الجديدة على تلفوناتنا، والتي هي تكنولوجيا فنية تبيح للناس خلق “الإيموجي” الذي يعجبهم مشفوعاً بالتعليقات التي يرومونها مؤثرة أو مضحكة، وكانت في معظم ما وصلني منها تخص النائبة وهي تشوح بيديها مرفقة بتعليقاتها المتداولة عموماً حول المقيمين أو “الوافدين” حسب تعبيرها. فقررت أن أكتب حول هذه الصورة التي رسختها النائبة في أذهان الناس حول شخصيتها وحول توجهاتها، حتى باتت عباراتها العنصرية مضرب مثل ومادة “ستيكر” يتداولها حتى المؤيدون لها، تضاحكاً وتأكيداً على ترسخ توجهها. كم هو حزين أن تطبع صورتك هكذا في أذهان الناس، أن يرتبط اسمك بالكراهية وأن تلتصق صورتك بالصراخ الهادف لإيقاع الأذى بالآخرين حتى لو كنت مقتنعاً فكرياً أو مصلحياً بما تفعل. من يريد أن يترك خلفه ذكرى وتاريخاً بهذه الصورة؟

ثم ظهرت قصة الباص الأزرق، الذي يفترض أنه يقدم خدمة مواصلات عامة للكويتيين فقط، بحسب الإعلان الذي ظهر حوله. حاولت الاستفسار عبر “تويتر” ومن خلال التواصل مع موقع وزارة المواصلات إلا أنهم أشاروا إلى أن الموضوع ليس من اختصاصهم، إلى أن ظهر حساب لشركة الباصات تلك حيث كانت أولى تغريداتهم تشير إلى أن الخبر غير صحيح، وأن الخدمة للجميع. خلال تنقلي بين هذه المواضيع كلها، اكتشفت أن الموضوع واحد والقصة ذات منبع منفرد، من الفساد الإداري المحيق بالبلد إلى الفساد المبدئي المحيق بمشرعيه إلى الفساد التنفيذي الآكل لمؤسساته، ستكون النتيجة واحدة، بلد يغرق في شبر مياه، نائبة تلصق الكراهية بكل وجه مختلف عن الكويتيين، مستشفى للكويتيين فقط، مواصلات للكويتيين فقط، مواعيد للكويتيين فقط، وسننتظر المزيد من الخدمات التي ستقدم للكويتيين فقط، لأنه منذ متى لم يكن للتفرقة والتمييز أطيب الأثر؟ ومن منا لا يعرف حجم الأمان والراحة والتواؤم واستقرار الأحوال حين يتم التمييز بين أهل بلد والمقيمين فيها من حيث الخدمات الإنسانية والمدنية العامة؟ من منا لا يعي أن أفضل طريقة لإدارة الدولة هي تقسيمها نصفين، نصف فوق لأهلها ونص تحت “لوافديها”، ويا حبذا لو تم فصلهم تحت كل الظروف وفي كل الأماكن، حتى لا يكون هناك أي تواصل وليصبح المجتمع متماثلاً راكداً كما بقعة الماء الآسن؟ من منا لا يعرف كم هو صحي أن يتكوم مجتمع ما على نفسه، لا يُدخل أحداً ولا يخرج لأحد، يتزوج من نفسه، يتحاور مع نفسه، يتعايش مع نفسه، يتكلم مع نفسه، يتناقش مع نفسه، يا سلام، سيكون الناتج رائعاً، نفسه نفسه.

تقول الإشارة إن قصة الباص “الكويتي” غير حقيقية، لعلها يا رب كذلك، ولكن انتشارها فقط، توقعها فقط، عدم الانفعال الجمعي الشديد تجاهها فقط، بل استحسانها وتأييدها، تدل على أن الكارثة حلت والأذى وقع، و”أنها” انتصرت فلم تغير أسلوب الحديث وأدب العمل السياسي فقط، ولكن حتى هذه النزعة الإنسانية في القلوب والعقول. هو زمنها، هو زمن ترامب، وزمن المستشفيات الوحيدة الجنسية والهواء المدفوع الضريبة، هو زمن مرعب، ترى هل ينتهي حين تنتهي مدة ترامب أم أن العنصرية مسكت بتلابيبنا؟