أين اختفت المعارضة، كل معارضة؟ ولماذا تكثفت القداسة، كل قداسة؟ نسمع الآن صوتاً واحداً، نغمة واحدة مصاحبة لكلمات موحدة، خليجنا واحد، عداؤنا واحد، تقديسنا واحد، همهمات بسيطة هنا وهناك تعترض على استحياء، أما الكورال بأكمله فيغني على ليلاه ولا غير ليلاه.
نحن نمر بمفترق طرق، فاصل خطير من الزمن على الضفاف الغربية لهذا الخليج المنكوب بداية من اسمه مروراً بمياهه ونهاية بالأراضي العائمة في نفطها على ضفافه. ليس هناك خير فيما يحدث، وستكون التداعيات خطيرة وعميقة في القادم من السنوات بوتد الخلاف العميق المصحوب بالإهانات المتبادلة والتراشق الرخيص والمدقوق بعمق في خاصرة هذا الخليج المسكين.
ولم تكشف النكبة الفنانين فقط ولكن المثقفين كذلك، وعاظ السلاطين حليقي اللحى، الذين سرعان ما كوموا المبادئ الليبرالية والأخلاقيات الإنسانية التي غنوها مواويل طويلة فوق رؤوسنا في بقجة دميمة وضعوها عند الأقدام ليعتليها المعتلون. اليوم يوم المصالح لا الأخلاق والمبادئ، تأخذ الجانب “الصح” وإن كان على حساب روابط طالما تغنينا بها وأَشعرنا لها، ليعلو شأنك وترتفع حظوتك ويحدد لك مكانك في البلاط. إنها غرائب الدهر، أن تسقط عند أول امتحان كل الروابط، بما فيها تلك العميقة بشرياً كروابط الدم والمصاهرة واللغة والدين، لتعلو القبلية والطائفية والفزعة الطائشة، والأهم منهم جميعاً لتعلو المصلحة وليتحقق الرضا، ويأخذ الآخذون من بيت المال.
نحن بحاجة إلى جلسة مواجهة مع أنفسنا نفهم من خلالها سبب انحيازنا المباشر لحكوماتنا لا لشعوبنا، سبب تشاتمنا ونحن أبناء عمومة، نرمي “العُقُل” ونفرش البشوت عند أهون المواقف، ثم نبدو مستعدين لغرس السكاكين بلا تفكير عند أول إشارة، كمية من التخوين والاتهامات والتشاتم تدفع بك لأحد استنتاجين لا ثالث لهما، إما أننا كنا نضمر كمية غضب وحقد غير مسبوقة لبعضنا البعض كلها رابضة جمرا أحمر جاهزا لحرقنا ما إن تهب بعض الرياح حتى تذرو الرماد الذي كان يستره، وإما أننا مرضى بانفصام في الشخصية، اليوم نحب ببيان وغدا نكره ببيان دون أن تهتز لنا شعرة لهذا التناقض المرضي المريب.
كلنا، بلا استثناء، في الذنب مساهمون، كلنا فتحنا آذاننا للمتطرفين وصرفنا من نفطنا على أنشطتهم، كلنا تركنا العباءة السامة ومسكنا الشماعة نعلق عليها الخيبة ونبرر بها التراجع، كلنا ساهمنا من حر مالنا ومتواضع فكرنا وقصير نظرنا في خلق كارثتنا، فإذا قلنا اليوم إصلاح فهو مستوجب من الجميع، كما خربناها معاً نعدلها معاً.
دور الكويت مقدر جداً، ودور سمو الأمير مثمن فعلاً، وهو دور سيسجله التاريخ دون الحاجة إلى أغان وقصائد تحول الرأي التقديري الحقيقي إلى تملق. أمير دولة الكويت يحاول رأب الصدع على ضفاف خليج هو يعلم تماماً أنه إذا ما تركه يمتد فهو سيشرخ الضفة بأكملها ويغرقنا جميعاً، وهي رؤية محمودة وبعد نظر نفتخر به ونتمنى أن يتحقق له كل التوفيق. ساندوا الموقف بالحديث المتواصل مع الجيران تهدئة وتوعية، فالوضع لا يحتاج إلى أغان ومديح وتدبيج عفى على أسلوبها الزمن.