تحميل إغلاق

عوامة

عوامة

لن نغرق إذا تمسكنا ببعضنا بعضا، وحتماً سنغرق إذا قفلنا نخرق عوامات بعضنا بعضا، فـمقولة «لا تكسروا المجاديف» حان تنفيذها حرفياً اليوم، وإن كانت المجاديف قد تكسرت فلا نخرق العوامات، وإن كانت العوامات قد نفد هواؤها، فلا نتسلق فوق بعضنا بعضا، فوالله لن يبقى في الماء في النهاية سوانا.

مثلي مثل الأغلبية العامة في الشارع الخليجي، لا أدري ما يدور حولنا هذه الأيام. يسيطر علينا قلق مبهم، تنتابنا الوساوس، تلك التي نغذيها بتحليلاتنا وإشاعاتنا وحتى بسخريتنا وقفشاتنا، هابطة علينا من سماء سياسة غامضة غارقة في السرية، معجونة بالعلاقات الخفية والخلافات الأسرية والأطماع والمؤامرات، وكأنها غطيطة ضخمة، ضببت أجواء الخليج بأكلمه وأخفت ملامحه.

وعليه، بسبب من الجهل والتشوش وبدوافع من الحرص والحذر يجب الاعتراف بها جميعاً، لست أتناول الوضع الخليجي بالتحليل هنا. لست سوى ناظرة بإعجاب لذيل المشكلة، طويل سوطي حاد، يلطش الشعوب بطرفه السام فيتركها كلها مترنحة بأثر السم يسري في دمائها، تلك الطائفية التي تبدأ كل المشاكل عندها أو تنتهي إليها. أحياناً تكون الطائفية هي المشكلة وأحايين تكون مجرد غطاء للمشكلة، مجرد علبة يصدر فيها الموقف السياسي للشعوب، حيث نقوم، نحن الشعوب، بفتحها في كل مرة وبكل سذاجة، لتتناثر سمومها في وجوهنا. كلنا، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، نعرف عن الكارثة الحالية أكثر مما يجب، وأكثر ما نعرف لربما شائعات أو مبالغات، وأكثر المبالغات لربما تبقى أهون من الحقائق، وندور وندور، ونعود للخطر الإيراني، لتدخلات حزب الله، لحوثيي اليمن، للإخوان المسلمين في قطر، للخلايا الشيعية النائمة في بقية دول الخليج، ليظهر لدينا مؤخراً الفساد المالي، وما أحلاه الفساد المالي من سبب غير لنا الأجواء وجدد لنا الأسباب.

ما علينا من الأسباب، ما يهم المواطنة العادية مثلي، التي ليس لها وطن غير هذا الوطن ولا حساب بنكي غير الحساب الكويتي، هو أن يستتب السلام في الطبقات الدنيا وإن دارت العواصف في الطبقات العليا، ما يهم هو أن تبقى الصورة شبيهة بلوحة فينسنت فان غوخ “ليلة النجوم” حيث تنام القرية ليلتها بهدوء ودون قلق فيما تعصف العواصف وتزوبع الزوابع في سمائها النجمية الساطعة. ولكي تتحقق لنا هذه اللوحة الآمنة الجميلة، علينا نحن سكان الطبقة الدنيا، أن نقي أنفسنا شر أنفسنا، أن نحجم الشائعات، أن نثبت الروابط، أن نتذكر ونذكر بعضنا بعضا بالمصير المشترك إن تناسينا بقية الأشياء المشتركة الأخرى. هذه الضفة إذا غرقت ستكون هي أجسادنا الطافية على وجه الخليج وليست أجساد أي طرف من أطراف الخلاف، فلنتمسك بالهدوء ولنستدعِ الشعارات التي تغنينا بها سنوات وسنوات، فها هي قد أتى يومها، ولنشبك الكفوف بعد أن نلبس العوامات على خصورنا، لن نغرق إذا تمسكنا ببعضنا بعضا، وحتماً سنغرق إذا قفلنا نخرق عوامات بعضنا بعضا. هي مقولة “لا تكسروا المجاديف” التي حان تنفيذها حرفياً اليوم، وإن كانت المجاديف قد تكسرت فلا نخرق العوامات، وإن كانت العوامات قد نفد هواؤها، فلا نتسلق فوق بعضنا بعضا، فوالله لن يبقى في الماء في النهاية سوانا. لا نستمع للأغاني الحالية، لا نأخذ جانب طرف دون طرف، لا نتشدق بكلام أكبر منا جميعاً، كل واحد يمسك عوامته ويد من بجانبه أحسن له، لا أحد يعرف حجم الموجة القادمة.

اترك تعليقاً