يبدو أن النائب حمود الحمدان كان في برنامج «باب النقاش» متوائماً مع تساوي الذكر والأنثى في العقوبات المدنية، إلا أن هذه عقوبات وضعية، لا قطع يد فيها ولا رجم، فلمَ يتمسك هو بقوانين الأحوال الشخصية الإسلامية ويقبل في ذات الوقت بالقوانين المدنية الوضعية الأخرى التي سبق أن شرع لها الإسلام من خلال العقوبات المذكورة؟
معه حق النائب حمود الحمدان فيما ذكر في برنامج “باب النقاش”، حلقة التعليم المشترك، حول المساواة في الإسلام، الرجل قالها بوضوح “بالنسبة للمساواة، هذا الخلل اللي أرجو أن أبناءنا وبناتنا لا يعيشون في ترهات وأفكار غربية لا تعي من ديننا شيء، حنا مسلمين، والحمدلله من آباء وأمهات مسلمين وعندنا سلوكيات إسلامية جيدة، لا بد نعي ونعلم ونعرف بأن هناك فرق بين الذكر والأنثى، “ليس الذكر كالأنثى”، أنت تتكلم أمام القانون أمام الدستور (أعتقد هنا هو يعني أن المرأة والرجل متساويان أمام القانون والدستور وليس أمام القوانين الشرعية). لذلك لابد أن نعي ونعرف بأن هناك فرق بين المرأة والرجل، مثلاً بالميراث، مثلاً المهر من اللي يدفعه؟ الرجل، حق النفقة من عليه؟ على الرجل، الأماكن لما تقول أنت كلها متساوية، الأحوال الشخصية، يختلف، الشهادة، يختلف، في أشياء لابد أننا نعرف بأن لا يمكن بأي صفة من الصفات أن نجعل الذكر كالأنثى، الذكر كالأنثى أمام قانون أمامك، واحد قتل، واحد سوى، واحد كذا، أنت تتكلم، هذا المعنى في الدستور أمامنا، أما موضوع المساواة هذه لغة غربية، لا تعي، ودخلتنا في متاهات، ونحن نناقش الآن حقوق الإنسان يدخلونا بأشياء تخالف الشريعة الإسلامية، لذلك لابد يا أبناءنا وبناتنا تعون بهذا الأمر”. (الدقيقة 81 تقريباً من الحلقة).
الكلام صحيح، لا توجد مساواة حقيقية بين الذكر والأنثى في القراءة الإسلامية الحالية، بل لا توجد مساواة حقيقية بين الذكر والأنثى في أي دين من الأديان بناءً على القراءات التاريخية الأولية لهذه الأديان. ببساطة، التعليمات ونصوص الكتب المقدسة تُقرأ في إطارها الزمني، أي أن هذه النصوص تفهم حسب قواعد وأصول وحقوق وواجبات الزمن الذي يتم تحليلها فيه، لذا، فتفاسير نصوص القرآن الكريم، وكل ما بني عليها من قواعد حياتية ودينية، كلها يعود فهمها وملاءمتها لذلك الزمان، منذ ألف وأربعمئة سنة مضت. ولذلك هي لا تتعامل مع المعطيات الجديدة للحياة، هي لا تنظم المرور، هي لا تحلل تغير وضع المرأة الاقتصادي، هي لا تتعاطى مع تطور الوضع العملي للمرأة، هي لا تشرع للتدخين والمخدرات، هي لا تتعامل مع الخروج إلى الفضاء، هي لا تحلل العلاقات الدولية أو التطورات العلمية، ببساطة، لأن كل تلك الأمور لم تكن موجودة في ذاك الزمان.
إلا أن النائب هنا وقع في مطب في تصريحه، فهو صرح بأن المساواة تتحقق أمام القانون والدستور، اللذين هما عمود الدولة المدنية. في هذه الدولة يبقى الدين عامل بناء اجتماعي مهماً إلا أنه لا يمكن بناء القوانين والتشريعات على أساسه بسبب تفرقته بين المواطنين على أساس الدين والجنس وأحياناً أشياء أخرى، وهو ما يتضارب مع أي دستور مدني بما في ذلك دستور دولة الكويت، وهي النقطة التي يقر بها النائب تماماً. كذلك، يبدو النائب متوائماً مع تساوي الذكر والأنثى في العقوبات المدنية، إلا أن هذه عقوبات وضعية، لا قطع يد فيها ولا رجم، فلمَ يتمسك هو بقوانين الأحوال الشخصية الإسلامية ويقبل في ذات الوقت بالقوانين المدنية الوضعية الأخرى التي سبق أن شرع لها الإسلام من خلال العقوبات المذكورة؟.
لربما يُسِر النائب رغبة في إلغاء الدولة المدنية والعودة التامة للتشريع الديني من حيث القطع والرجم، ولربما هو يعلم في سريرته أن هذه العقوبات ما عادت تتواءم ومنطق حقوق الإنسان الحديث ولا مع الفوائد المرجوة من العقوبة، فحمد القراءة الجديدة وأقر بالدستور والقانون من حيث هذه الجزئية. ذلك هو عين ما نطالب به كذلك، أولاً “دسترة” وتمدين قوانين الدولة تماماً حتى تتواءم مع روح العصر والمنطق الحقوقي الحديث، وثانياً تفعيل قراءة جديدة للنصوص الدينية حتى تصل في معناها ومضمونها إلى المساواة التامة التي ما عاد للحياة المدنية الحديثة القبول بأقل منها. ومثلما وجدتم مخرجاً من قطع اليد والرجم إلى السجن، يمكن إيجاد مخرج من تعدد الزوجات إلى الزوجة الواحدة ومن شهادة امرأتين إلى التساوي في الشهادة. هذا، ومثل هذه القراءات ستضع أعباء المساواة على كتفي المرأة كذلك، فيتوقف تدليلها الرعوي وما يترتب عليه من انتقاص لها، حتى تقف كإنسانة كاملة لا تحتاج إلى وصي ولا راع، متحملة واجباتها الإنسانية الكاملة مثلما هي مستمتعة بحقوقها الإنسانية الكاملة. فعلتموها سابقاً مع جزئيات شرعية لم تستطيعوا تمريرها أو حتى القبول بها نفسياً ومنطقياً، ويمكن الإتيان على ذلك مرة أخرى فيما يتعلق بوضعية المرأة والرجل وذلك بتحقيق قراءة متمدنة للنصوص الشرعية الطيعة التي يوجد فيها الكثير مما يدعو للحقوق الإنسانية والتطور والتمدن، ولكم في دراسات د. نصر حامد أبو زيد وفاطمة المرنيسي، عليهما رحمة الله، أفضل مثال على هذه القراءات الحديثة، حيث تعاملا مع الميراث والتعدد والحجاب بشكل تجديدي ودون الخروج على روح النص الديني.
معك حق أيها النائب، وليته لم يكن معك، أنت رجل دستور وقانون، فقوم الاعوجاج، وانظر في طريق يجمع بين الشرع والدستور وحقوق الإنسان، حققت أديان سابقة كل ذلك، وليس ذلك ببعيد أو عزيز عن شريعة طيعة “كالماء الجاري” والتي هي بين أيدينا، فأسرعوا قبل أن ينفد صبر العالم حولنا.