لم أر في يوم حراك المتظاهرين في الكويت كحراك قبائل، كما لم أنظر إلى حراك السوريين على أنه حراك إخوان مسلمين، كما لم أعتقد أن حراك البحرينيين حراك إيراني مدسوس. كل هذه الشعوب، مع الاختلافات الجوهرية في طبيعة قضاياها وفي نوعية أنظمتها، تحركت من منطلق ضيقها بالظلم والتعنت والفساد، تحركت بعد أن أظلمت الدنيا في عينيها وبعد أن استنفد صبرها.
ولكن لننظر في الحالة الكويتية التي تحمل الكثير من التناقضات في حراكها، ذات النواب الذين يستصرخون الدنيا حقهم في إسقاط رئيس وزرائهم في ظل ما يصورونه إيمانا قاطعا بالديمقراطية، هم ذاتهم من ينكرون هذا الحق على أهل البحرين، اعتراضهم المتألم على نعت حراكهم بحراك أبناء قبائل، يقابلونه، هم ذاتهم بشحمهم ولحمهم، بنعت حراك البحرينيين على أنه حراك «صفوي» مدسوس، بكاؤهم على حرياتهم المكبلة وأصواتهم المخنوقة تتوارى خلفه سلاسل مجنزة يكبلون بها كل أنواع الحريات الشخصية، وحتى أصغر وأدق تفاصيل المعيشة اليومية، يصرخون «وا دستوراه»، وفيهم من يغير صيغة القسم الدستوري ليناسب معتقده، من يمتنع عن الوقوف للنشيد الوطني تطابقاً وتوجهاته، من يدفع بالتشريع غير الدستوري كل يوم من أيام حياته البرلمانية، من يكسر باب البرلمان رافعاً إصبعه في وجوهنا: «تلك خطوة وغداً خطوات»، استصراخهم الضمائر لمحاربة الفساد يأتي على شكل صفير حاد ليغطي على قصص فساد في عقر دارهم، هم دون غيرهم، نعرف استلامهم لشيكات وتصويتهم لفرعيات وتوسطهم لمخالفات إلى آخره من صور فساد تصعد إلى مصيبة ارتشاء أو غسل أموال، وأحياناً تتعداهما.
فكيف بالله نسلم رقابنا لهذه القيادة؟ حراك شعبي نعم، لكن قيادة تستحق الاتباع، فلا، ولمن يحاول أن يحمل الموقف حملاً عنصرياً نقول: انظر حولك لخليط النواب والشعب، ليس هؤلاء أبناء قبائل فقط، بل لا أعتقدهم أغلبية كبيرة، إنما هو خليط من شباب صغار في الغالب، تملك منهم الشعور الوطني وأخذتهم لحظة اندماج الفرد في المجموع، فساروا جميعاً خلف هؤلاء النواب، مسيرة يظهر أولها ولا يكاد يتبين آخرها.
لا برنامج ولا مطالبات بل لا حتى وعودا بحفظ حقوق الناس وحرياتهم ومدنية الدولة، ومنهجها الديمقراطي في حال تحقق المطلوب، فإلى أين المسير؟ قيل إن السياسة هي فن الممكن، وهي أن تضع يدك في يد الشيطان نفسه لتحقيق الغرض، قلت لا بأس، ولكن إن كنت واضعة يدي في يد الشيطان، فألا يتفضل عليّ بأقل القليل من التوضيح والتحديد حتى لا يجرني، بعد أن ينتهي المسير، إلى جهنم وبئس المصير؟
نتخلى عن المبادئ قليلاً، نضع الضمير في الثلاجة ونهتف مع هؤلاء النواب، الذين اختلفوا يوم الاثنين الماضي حول تحليل أو حرمة الأغاني التي تم بثها قبل وقفتهم الاعتصامية، ولكن هل من ضمانات لما بعد الحراك؟ هل من وعود تعيد شراء المبادئ التي تخلينا عنها وتذيب الجليد عن الضمير الذي حشر في الثلاجة؟ هل يمكن الاتفاق على خارطة طريق لما بعد المسير؟ حتى موضوع الإيداعات المليونية غير متفق عليه، اعتصام يذكرونه وعشرة يفوتونه فلا نسمع له ذكرا، فما الذي يضمن لي ألا ينقلب عليّ هؤلاء ويجروني معهم، مبادئي على الرف وضميري في الثلاجة، إلى قاع القاع؟
ليت حراككم حراك أبناء قبائل، فهؤلاء يربطون من لسانهم، والموت عندهم دون العودة في الوعود والعهود، أما أنتم، القيادة الحالية، فلا أمان لكم، شعاركم الغاية تبرر الوسيلة، فهل ننتظر حتى تتحقق الغاية لترقعوا رؤوسنا بالوسيلة فتدخلونا في غيبوبة لا عودة منها؟ ليكن الحراك كله من أبناء القبائل نتفق على مطالب دستورية حقيقية، ندعم حريات لا عودة عنها، وليكن العمل طاهراً شعبياً دستورياً سلمياً وإن كان تظاهرياً اعتصامياً، فقط أبعدوا هؤلاء، أبعدوا هؤلاء.
«آخر شي»: أيا كانت ظروف ذلك اليوم، شباب عزل يأتون مسلمين بطاقاتهم وأنفسهم تضامناً مع المعتقل الأول في قضية اقتحام مجلس الأمة في خطوة متحضرة وذكية باتجاه تثبيت وجهة نظرهم، فيعود التعسف الحكومي والعنف للمشهد مرة أخرى في خطوة انتحارية من حكومة لا تكاد تربح نقطة، لتخسر بعدها مسافات بينها وبين الشعب، فإذا ضاعت الديمقراطية والتحضر السياسي، فأين الحصافة في استمالة الناس، أم أن حكومتنا هي بذات نفسها معارضة تود أن تقضي على نفسها؟
«آخر آخر شي»: نائب مخضرم، يقال فيه إنه مرجع دستوري، يشتم وزير الدولة ناعتاً إياه «بالخبل»، فيرد عليه وزير الدولة «الخبل هو من …»، فيقول نائب آخر للوزير «تخسي»، «ودقي يا مزيكا»!