يخبر مانشيت “القبس” ليوم الجمعة الماضي أن هناك “فجوة تعليمية هائلة في الكويت”، حيث إن من مجموع الاثنتي عشرة سنة دراسة ما قبل الجامعية التي يمر بها الطفل في الكويت فإن حصيلته الحقيقية لا تزيد على سبع سنوات دراسة، مما أخر الكويت إلى المركز السابع والسبعين عالمياً والأخير خليجياً في مؤشر رأس المال البشري حسب الخبر المنشور. إلا أن هذه ليست هي الفجوة الوحيدة في حياتنا في الكويت، فعلى الرغم من ارتفاع مدخول الفرد ووجود نسبة من الديمقراطية والحرية السياسية، فإن الفجوات تملأ حيواتنا بما خلق حالة سيريالية غريبة نعيشها باستمرار بين الراحة والقلق، والرضا والرفض، والأمان والخوف الدائمين. تعلم الدولة أبناءها مجاناً حتى إلى مراحل الدراسات العليا، لتسود حالة من البطالة المقنعة بين أغلبية موظفي الدولة ولتدفع الدولة ذاتها بإبقاء أكثر من نصف قواها العاملة (النساء) في البيوت عن طريق خفض سن التقاعد وإعطاء مميزات مالية لربات البيوت وغيرها. تنشئ الدولة مؤسسات مدنية لإدارة شؤونها لتحفر أسفلها مباشرة سراديب متشعبة للوسائط والعلاقات التي تحكم كل المؤسسات أعلاها وتدبر أمورها. تؤسس الدولة لدستور ومجلس أمة ديمقراطيين لتتدخل هي بعدها بالأموال السياسية والعلاقات في اختيارات الشعب، ولتضع مواد في الدستور تخلط فيها بين السلطات، وتوحد من خلالها السلطة بشكل شمولي. تبعث الدولة أبناءها للدراسة في الخارج وتمنع كتباً في الداخل. تتبرع الدولة للدول النامية في كل بقاع الأرض بما أنالها لقب “مركز إنساني” وتترك البدون المولودين على أرضها والذين يعيشون في جنباتها لما يفوق الخمسين سنة بلا بطاقات تعريفية، بلا عناية طبية وتعليمية، بلا حتى مجرد حق اللجوء للقضاء ليفصل في معاناتهم، ويقف حكماً بينهم وبين “ولي أمرهم”. فجوة بعد فجوة تصنعها الدولة في جدران مؤسساتها وفي نسيجها الوطني لتمرر الهواء البارد الى جنبات حياتنا ليتضارب مع هواء أجهزة التدفئة الفاخرة التي توفرها الدولة ذاتها، ولنعيش نحن في مرمى هذا التيار، في تضارب وتناقض مستمرين.
إلا أنه لا أفظع من فجوة المعلومة، هذه الفجوة الموجودة باستمرار في حياتنا، والتي صنعت مساحة فارغة في عقولنا تتقبل الشائعات والمعلومات المغلوطة والترويجات المكررة التي تريدنا حكومتنا أن نحفظها. ماذا نعرف حقيقة من أرقام ومعلومات حول قضية البدون؟ كم منهم له إثبات وجود قبل الغزو؟ كم ممن “كشف عن جنسيته” أجبر حقيقة على شراء جواز ليسموه لاحقاً “تعديل وضع”؟ أي لجنة رقابية وبأي شروط وبأي أعضاء هي التي تحدد الكتب الممنوعة في الكويت؟ أين ذهبت أموال الناقلات؟ ماذا حدث في قضايا الإيداعات المليونية؟ ما هي تداعيات فضائح الفساد التي تظهر علينا بين الفترة والأخرى؟ من المسؤول عن وفاة الشباب في المؤسسة العسكرية؟ ما هي تفاصيل ترتيب بيت الحكم وما هي خلافاته؟ فجوات كثيرة تدخل علينا ريح صرصر تتركنا لا رغبة لنا إلا في ستر أنفسنا ووقاية أجسادنا من البرد، دون أن نفكر لحظة في غرائبية هذه الفجوات وتناقضها وظاهر حياتنا، في شخص من صنع هذه الفجوات وفي سبب تسامحنا معه. وهكذا وعلى الرغم من فداحة مانشيت يشي بخسارة ما يقترب من نصف السنوات الدراسية للطلبة في الكويت، فإن شيئاً لن يحدث، وأصوات لن ترتفع، ومطالب لن تُعلن، سنلبس معاطفنا الفرائية الفاخرة لتقينا رياح الفجوة الجديدة، وسندعو الله ألا يغير علينا.