الموضوع كالتالي: في الكويت، المركز الإنساني، أطفال البدون لا يسجلون في المدارس، حتى تلك الأهلية المتهالكة التي زادت عليهم مؤخراً رسوم امتياز يعلم الله وحده سبب استحقاق هذه المدارس لها. لمَ لا يسجل الأطفال في المدارس؟ لأنه ليس لديهم شهادات ميلاد، ولمَ ليس لديهم شهادات ميلاد؟ لأن أحد الأبوين أو كليهما ليس لديه بطاقة صالحة، وعليه يبقى هؤلاء الأطفال بورقة تسمى بلاغ ولادة. والحل؟ عليهم أن يثبتوا البنوة في نيابة الأنساب، وهذه تحتاج هويات من الأبوين حتى يفتحوا ملفاً للتحقيق، وطبعاً المشكلة الأساسية أن أحدهما أو كليهما ليس لديه هوية، يعني دائرة مغلقة، حتى يستطيعوا استخراج هوية فلا بد أن يكون لديهم هوية، مضحك أليس كذلك؟ طيب وبعدما ضحكنا، ما الحل؟ لا بد أن يعطي الجهاز المركزي ورقة لعديمي الهوية حتى يراجعوا بها نيابة الأنساب والجهاز ممتنع عن تقديم هذه الورقة، وبعدين؟ و”لا قبلين”، 600 طفل ما بين مراحل الصف 2 إلى 12 يجلسون في البيوت بلا تعليم، بالإضافة إلى 200 طفل حرموا أساساً من دخول المرحلة الابتدائية، يعني، إذا تحسبون معي، 800 طفل يجلسون في البيوت بلا تعليم، وهذه أرقام تقديرية ولربما الواقع أمرّ وأخطر، وليس هذا فقط، هؤلاء الأطفال ليسوا محرومي التعليم فقط، بل هم محرومو النسب، هل تشعرون وقع هذه الجملة؟ محرومو النسب؟
في 21 ديسمبر أصدر التعليم الخاص تصريحاً علقت عليه أنا في “تويتر” بقولي أن لا شيء تقريباً في التصريح حقيقي، فالتصريح يقول “تعاون مع الجهاز المركزي لإزالة المعوقات أمام الطلبة البدون”، وقد أتى التصريح، كعادة هذه التصاريح، على أرقام وفئات و”تم تسجيل كل الأطفال” و”الصندوق يتحمل كل التكاليف” وغيرها من الجمل التي تجعل الدنمارك تستحي من ركاكة نظام رعايتها للطفل مقارنة بنظامنا، ولكن بعد أن تفكك الجُمل تجد أن كل إيجابية في التصريح تحمل تحتها ألف مصيبة، فالتصريح قال بتسجيل الأطفال الذين يمتلك أهاليهم بطاقات صالحة لكنه لم يأت على وضع الأطفال المحرومين من الهوية، وأشار إلى تكفل الصندوق بمبالغ التعليم ولم يذكر شيئا بخصوص رسوم الامتياز التي يعجز الأهالي عن تسديدها، أي أن التصريح عرض علينا “أفضل” وضع لـ”أفضل” بدون في الكويت، أما المعاناة والمعوقات والمشاكل التي تصل حد المصائب، فلا أثر لها. وهكذا يتعلق ما يقترب من ألف طفل على حبال الحرمان من التعليم، هكذا بكل بساطة تقامر الدولة بمستقبلهم علّ هذا العقاب يفزع أهاليهم فيظهرون أوراقهم المدفونة منذ خمسين سنة، يا لها من قصة لزجة الطعم.
وعليه، قام مجموعة من الكويتيين البدون، وأمام حرمان أبنائهم ورعبهم من فكرة التجهيل المتعمد لهم، وبالتعاون مع جمعية المعلمين، بإنشاء ما أسموه كتاتيب البدون، وهو مشروع يقترب من فكرة “محو الأمية” للصغار المحرومين من المدرسة، حيث يؤكد القائمون عليه أنه ليس بحل، وأنه ليس دائماً، فأطفال الكتاتيب لا يحصلون على شهادة ولا ينتقلون إلى صف أعلى، كل ما هنالك أنهم يتعلمون القراءة والكتابة ويشعرون أنهم مثل غيرهم من الأطفال يذهبون للمدرسة صباحاً، يفتحون كتاباً ويغنون نشيدة.
كتاتيب، نعم كتاتيب، في دولة الفوائض المليارية، في دولة المركز الإنساني، ألف طفل محروم معزول مجهل، ألف طفل غائم المسقبل غائب التعليم مكسور القلب معزول المشاعر عن أقرانه، في الكويت التي وقّعت على معاهدات حقوق الطفل تدهس حقوقه بسيارات السياسة الملعونة القديمة: اضغط عليهم، عذّبهم، ذلّهم حتى يعترفوا أنهم ليسوا من هذا الوطن، وحتى بعد خمسين سنة، ومع أحفاد الأحفاد، ما زالت السيارة تدهس، وما زالت الآمال تقضي تحت عجلاتها. ألف طفل في رقبتك يا رئيس مجلس الوزراء، ألف طفل في رقبتك يا وزير التربية، ألف طفل في رقابنا جميعاً، فسكوتنا موافقة، والساكت عن الحق…