“لا يمكنك أن تبقى تخيفني بالبعبع القادم لأتحمل المشهد الحالي”… حاولت الكثير من الأنظمة السياسية في السابق أن تثبت سيقانها بترهيب الناس من المستقبل وبالتالي قطع سيقانهم، إلا أنه، ويا للغرابة، سيقان الشعوب تعود فتنمو، وبدل الساقين تظهر لها عشرات السيقان لتجري بها نحو المستقبل مهما بدا غموضه.
تعبت وتعب الآخرون الذين يرومون إصلاحاً حقيقياً واستقراراً طويل الأمد من فزاعة الإسلاميين والقبليين القادمين ليحتلوا البلاد ويقلبوا النظام. لا أحد منّا، ليس الأغلبية الغالبة على كل الأحوال، يرغب أو حتى يفكر في استبدال حكم وثقنا به ونظام تعاهدنا عليه. إلا أن تحديد الخيارات بين حكومة معتلة ومعارضة مختلة لم يعد مهضوماً، خصوصاً من الجيل الحالي المنفتح على الثقافات الأخرى، والذي تشبع من مشاهد المشاركة الحقيقية للشعوب ومحاسبتها الصارمة لحكوماتها.
خزي وعار أن تقول لي “الخراب كبير، الفساد مسشترٍ، والتعسف بيّن واضح، ولكنني لا أريد أن أفعل شيئاً خوفاً من قدوم الإسلاميين”. أي حجّة تلك التي توجب الذنب قبحاً؟ أي تقاعس هذا الذي يجعلنا نقبل أن نرقد على خرابنا، كالدجاجة على بيضها الفاسد، خوفاً من ثعلب يدور في الخارج؟ من يرى خراباً يتطلب إصلاحاً فليجتهد ويتحرك، فإن لم يرغب، وذلك ليس واجباً على الجميع، فالبشر مختلفون في تفاعلهم وقدراتهم، فليكفنا شر التخوين وليحاول أن ينظر إلى الدنيا بعيون الشباب الجديد الذي لم يعد راغباً في أن يكون رعية بل مواطنين حقيقيين. عيب كبير أن تقر أنت بقبول الخراب لأنك أكسل من أن تتحرك لتغييره، والعيب الأكبر أن تطالب الآخرين بقبوله كذلك لأن “الوضع الخرب الذي نعرفه أفضل من الذي لا نعرفه”، ولأنك لا تود أن تكلف نفسك عناء التفكير بحل مختلف، لا تود أن ترهق أعصابك بالتطلع إلى طريق ثالث.
وشباب اليوم يريدون أن يسيروا على هذا الطريق الثالث، يريدون خياراً آخر، يريدون أسرتهم الحاكمة، ومجلس أمتهم، يريدون تقاليدهم الطيبة وعاداتهم السياسية الجميلة، ولكنهم يريدون أن يشاركوا بصورة حقيقية كذلك في صنع القرار. كيف يقبل هذا الشباب المنفتح على الثقافات الجديدة والصور السياسية المتطورة بمرسوم حكومي يخطط شكل الجهة الرقابية القادمة على الحكومة؟ كيف تصبح الحكومة هي الخصم والحكم بأن تشكل هي ذاتها الجبهة التي ستراقبها لاحقاً؟ ليست مشكلة هؤلاء الشباب في عدد الأصوات ولا في عدد الدوائر، فهذه وتلك يمكن أن تتغيرا ومع ذلك تبقيان ديمقراطيتين صحيحتين، المشكلة هي في آلية التغيير التي تسلبهم حق المشاركة الفعلية وتثبت لسابقة تضع البرلمان تحت جناح الحكومة، إن لم يكن كذلك الآن فعلاً.
ستقول لي إن هؤلاء الشباب قلة؟ إن أغلبيتهم ممن ينضوون تحت جناح النواب والإسلاميين؟ ها قد عدنا إلى ذات التخويف، ولكن، لتكن الحجة صحيحة، أفلا ساعدت القلة الصالحة لتجد طريقها؟ فإن لم ترغب في المساعدة، أفلا كفيتها شر تخوينك وتعزيرك وقسوة اتهاماتك؟ يحتاج هؤلاء الشباب اليوم إلى يد ممتدة تساعدهم ولا تخونهم، تساندهم ولا تخنقهم، حتى يستطيعوا أن يرسموا هذا الطريق الثالث الذي نستحق أن نسير عليه جميعاً.
“آخر شي”:
من سينجح الإسلاميين في مسعاهم ويوصلهم آمنين إلى مبتغاهم هو التعسف الحكومي مع المعتصمين وتجاهلهم والاستخفاف بهم. يجب أن يجلس الجميع على طاولة الحوار، ويجب ألا يعتقد في أحد أنه أقل شأناً من أن يستمع إليه، ويجب أن يتم التراجع عن شيء وتثبيت شيء حتى نسير آمنين، ليس في ذلك ما يعيب، الحكومات “موظفين عند المواطنين”، يسيّرون أمورهم ويحكمون أمنهم، لذا التعديل والتغيير للالتقاء بالمواطنين لا يعيب ولا يقلل من قوة الحكومة. بانتظار أن نخرج من عنق الزجاجة.