أشعر بغيرة تنهش قلبي، وغضب ينتشر في أنحاء نفسي، وحزن يهبط بي إلى قاع سحيق لحرمان لا أستحقه، ولم آتِ ما يستوجبه. لقد اخترت أن أقاطع، بل أُجبرت على أن أقاطع، أقاطع بمرسوم سحب مني صلاحياتي ثم دسني في زاوية المقاطعة، فلم يعد هناك سبيل للسير في طريق لم أختره ولا أعرف شيئاً من معالمه.
مرير جداً طعم القرار الذي أرغمت نفسي على احتسائه، أمرُّ ما فيه أنني أحتسيه دون مشاركة بعض أعز وأقرب الناس إلى نفسي، ولكن، لا بد مما ليس منه بد، وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن، و”إن طاعك الزمان والا طيعه”.
لطالما كانت المناسبة الانتخابية كبيرة عندي وعزيزة على نفسي. أنتظر أيام الانتخابات لأزور المرشحين وأستمع للندوات، لأشارك في بعض الحملات الانتخابية، أعمل وأسهر وأقلق مع الأصدقاء، أدخل في معارك نقاشية من أجل هذا أو ضد ذاك، أغضب وأفرح وأضحك ملء قلبي وأنا أستمع وأشاهد بعض المقابلات والأحاديث والدعايات الانتخابية. في ثنايا كل حماستي وغضبي وانفعالي يختبئ شعور عارم بالفخر والزهو بديمقراطية شرق أوسطية غير مسبوقة، بممارسة مواطنية شحت على الكثيرين من حولي، ولكنها تجري رقراقة جميلة بين يدي، لا يلبث هذا الشعور أن يخرج من مخبئه “فأنفش” ريش كبريائي و”أتبختر” بزهو طاووسي على صفحات الجرائد وفي المقابلات المحلية والإقليمية عن التجربة الكويتية الديمقراطية، “خلاص، إحنا الكويتيين تعودنا عليها، أدمنّا الديمقراطية ولا يمكن نتركها، هذا مصيرنا وهذه حياتنا”.
اليوم أشعر بغيرة تنهش قلبي، وغضب ينتشر في أنحاء نفسي، وحزن يهبط بي إلى قاع سحيق لحرمان لا أستحقه، ولم آتِ ما يستوجبه. لقد اخترت أن أقاطع، بل أُجبرت على أن أقاطع، أقاطع بمرسوم سحب مني صلاحياتي ثم دسني في زاوية المقاطعة، فلم يعد هناك سبيل للسير في طريق لم أختره ولا أعرف شيئاً من معالمه. كيف ستمضي أيام الانتخابات وأنا خارجها، كيف سيأتي اليوم الموعود وأنا لا أعيشه؟ ذاك ثمن أدفعه ويدفعه كل من يختار طريق الاحتجاج الشعبي الهادئ الذي سيوصل في النهاية الرسالة المطلوبة للحكومة.
والمقاطعة أداة، نكتب بها رسالة استياء ورفض، نعلن من خلالها رقابتنا الشعبية، ونؤكد بها حقنا في أن نكون “مصدر السلطات”، وفي أن نقرر شكل مجلسنا، هذه الجهة التي هي منّا وإلينا، التي تمثلنا وتتمثل بنا وتراقب الحكومة من أجلنا. والخطة كما أراها في نفسي هي هكذا: نقاطع أولاً لإثبات موقف وثانياً لتقليص الثقة الشعبية وقيمة التمثيل لهذا المجلس في نفوس الشعب، بعدها نتجه إلى العمل المنظم لتقديم مشروع لخيار ثالث، ليس بالضرورة “الدوائر الخمس” ولا “الصوت الواحد” أو “الأصوات الأربعة”، فالموضوع قيد البحث، ويمكننا أن نقرر اختياراً أفضل لا أن نختار بين سيئ وأسوأ. ندفع بهذا المشروع جميعنا كقوى شعبية، ندافع عنه، نقدمه للحكومة فنعمل معها أو نضغط عليها، حسب ما تأتي به الرياح، المهم ألا يتوقف النشاط الشعبي الفاعل، المهم ألا يرضخ الشعب ويقبل بالسيئ خوفاً من الأسوأ، فهذا الخوف سيبقى سوطاً يرضخ تحت ضرباته الشعب ما لم يقرر أن ينتفض ويغير ويرسم طريقا جديدا.
لا أقبل أن تنتهك حقوقي ويستبد بمكتسباتي، لست راضية عن الحكومة وأدائها مطلقاً، ولست سوى ملتاعة مروعة من المعارضة وكل ما يخرج من فم أفرادها أو يبدر في حراكهم أو يظهر في نواياهم. لن أقبل بطرف خوفاً من الطرف الآخر، لن أختار بين الأمرين، لن أجلس في بيتي ألعن الخراب، سأحمل طابوقة وأبدأ بخطة بناء.
أما الآن، فالخطوة الأولى، أن أتجرع مُرَّاً لابد منه، أن أقاطع.