ثمار

وها نحن نجني ثمار سياساتنا، نجني ثمار سكوتنا، نجني ثمار دعوتنا بألا يغير الله علينا، نجني ثمار امتناننا الأبدي لحكومتنا وشيوخنا للرخاء والأمن الذي نعيش، وكأننا متسولو هذا الرخاء وذاك الأمن، وكأننا لسنا شركاء مستحقين في البلد. نحن أسسنا للخراب، ونحن نبني على أساسه الضعيف اليوم ونحن نصوت لنواب يثقلون الأساس الهَرِم أصلاً. أُحَملنا المسؤولية، وأحياناً أعطف علينا، لا أدري كيف أشعر، ولكنني بكل تأكيد لا أحقد على وافد أتى يقدم خدمة للبلد فأضع على كتفيه نتاج سياساتنا الخربة وسكوتنا القديم.

لا أحد يستطيع أن ينفي المشكلة القائمة في الكويت من حيث الخلل في التركيبة السكانية ومن حيث قصور الخدمات وانتقائية المتمتعين بها، نحن في الواقع من أسس لهذه الانتقائية، نحن، بحكومتنا، من صور الواسطة طريقاً مقبولاً، فإذا ما اتبعه الوافد فهو لأن المواطن أسس له وقبل به. نحن من غرق في سبات عميق والزمن يمر، لا خدمات جديدة ولا خطط تنمية. تزداد أعدادنا بفعل الطبيعة، وتبقى بنية البلد صامدة على وضعها الستيني من القرن الماضي. نحن من سكت ورضي والحكومة تكدسنا في وظائفنا ونحن من فرح بضمانتنا بحكم كويتيتنا لهذه الوظائف حتى بات الكويتي محصنا ضد فقد وظيفته لأقصى درجة، فتهدلت الهمم وتُرك العمل الحقيقي للوافد الذي اعتمدنا عليه لكي نستأذن ساعات عملنا الصباحية هرباً من مكاتبنا. نحن من ضيع في الأوهام عمره لنأتي الآن لنصب جام غضبنا على الوافد الذي يحمل في كثير من الأحيان العبء الحقيقي للعمل والذي إذا ما أهمل أو أتى واسطة تجاه بني جلدته كما يدعي الكثيرون، فإنه ما أتى أكثر من ديدن البلد، وما سار إلا على نهج أهله. فذات الوافد الذي تشتكون من وسائطه وتحيزه لبني جلدته يمشي سراطه مستقيماً في الخارج، لم؟ لأن القوانين تطبق والعدالة تقف على قدميها، أما في المجتمع المنكفئة فيه العدالة على وجهها، فالكل فيه سيمشي سراطاً متعرجاً خرباً.

وهنا، في عارض محاولتنا لحل مشكلة تفاقم الأعداد وتردي الخدمات، لا بد أولاً من التمييز بين المواطن والمقيم والسائح، فلا يمكن ضرب أمثلة من تجاربنا “كسياح” في الخارج ومقارنتها بتجربة “مقيم” في الكويت. ثانياً ليس من الحصافة مقارنة وضعنا بدول أقل إنسانية أو دول ذات تركيبات مختلفة أو ظروف مختلفة، ليس فقط لأن أميركا تأتي فعلاً ما على سبيل المثال يعني أن نأتيه نحن، ثالثاً وحيث إن أكبر عدد لعمالتنا هي العمالة المنزلية، هل فكرنا من الذي سيتحمل الرسوم والأعباء المادية الإضافية؟ رابعاً وحيث إننا بلد مختلط جداً بغير الكويتيين، متداخل في كل جوانبه بحيواتهم متأسس تعليمياً وصحياً على سواعدهم، ألا تستدعي هذه الحقيقة سياسة خاصة جداً؟ إذا كنا فعلياً ربع التركيبة السكانية في الدولة فهل من الحصافة معاداة الثلاثة أرباع الذين نعتمد عليهم في أداء الخدمات الأساسية في البلد وتحييدهم بخطاب متعنصر ولغة محشوة بالكراهية؟ هل من الحكمة تخفيض نوعية الخدمة المقدمة لهم ورفع أسعارها حتى لتتردى حالتهم الصحية والنفسية وتصعب الحياة بمناحيها عليهم؟ من منطلق أناني بحت، هل في ذلك أي مصلحة لنا ككويتيين؟

كل ما يستدعيه الوضع هو إقرار حالة تمييز إنسانية أو اجتماعية رئيسة واحدة بين مواطن ومقيم لكي تسقط كل قطع الدومينو، تمييز يجر تمييزا، تفريق يجر تفريقا، سرعان ما ستتدهور الحالة الاجتماعية الكويتية وتتفكك الكثير من الأسر المختلطة، سترتفع الأسعار وسيعاني المواطن وستتدهور التركيبة الاجتماعية التي طالما وازنت حياتنا في مجتمعنا. نعم نحتاج حلولا، نعم نحتاج خدمات، نعم لربما لابد من فرض رسوم، رسوم علينا جميعاً مواطنين ومقيمين بالتساوي وسائحين لربما بدرجة أكبر بعض الشيء، نعم لا بد من غلق حنفية التجارة بالإقامات، نعم لابد من استغلال الطاقات الكويتية المستحقة أولاً وبشكل أكبر، نعم لكل ذلك ولا للتفرقة بين من استقدمهم البلد لخدمته، لا للتمييز ضد من يبني معنا البلد، من يستثمر في خدماته ويدفع في جمعياته ومولاته، لا لقهر الآخر والحط من كفاءة الخدمة المقدمة له وتصعيب الحياة عليه. نعيش بسلام لأننا كنا دوماً عادلين في معاملة المواطن والمقيم، وهما لا يختلفان كثيراً في شرع الدول المتقدمة، من يختلف عنهم هو السائح الذي عادة ما تكون عليه مسؤوليات وله حقوق مختلفة. حتى نعيش بسلام، لابد لنا أن نطور الحياة إنسانياً إلى الأفضل لا أن نتعنصر ونميز عندما تشتد الظروف. كلنا نعاني نعم، لكن بعد لم نصل لدرجة المعاناة التي تبرر خطاب الكراهية وتفسر انجرارنا خلف خطاب نيابي يبيع الوافدين لإحراز أهداف مع المواطنين. نحن أعقل، نحن أكثر محبة، نحن أهدأ، نحن نحفظ العشرة ونقدر الخدمة ولا نبيع نهجنا الإنساني عند أول مفترق طرق صعب.