بلادنا بلاد الشائعات، لا أعتقد أن هناك بلدا تشيع وشعبا يتناقل كما بلادنا ونحن، حتى غابت الثقة وغبنا عن الحقيقة، الحقيقة التي حتى إذا ما ظهرت تشككنا فيها، خلناها مؤامرة أخرى، توسمناها لعبة جديدة، حذرناها وكأنها فخ معد لاصطيادنا. نعيش ضمن شبكة معقدة من الدواوين ودواوين الدواوين، بين أصحاب السلطة و”الواصلين إليهم” وواصلي الواصلين، نهيم بين خطوط طول وعرض وارتفاع من قوى تلعب بنا، كبار الرجال ورجال الرجال وصغار الرجال، يلعبون على ما يبدو لعبة التلفون المكسور، هذا يسر لذاك، وذاك يسر لمن يليه، حتى تصلنا الكلمة مغمومة ملغومة، لا معنى لها ولا منطق، فنضحك، ويضحكون علينا، يستمرئون اللعبة، ونبدأ جميعاً من جديد. ليس لدينا قيادة حكومية تتحدث إلينا، لا أحد يوضح، لا أحد يؤكد، نعيش نحن على معلومات الواتس آب، على تسجيلات وصور متناقلة، طريقة نقلها وفحواها وقذارة الظلمة التي تعتاش عليها تضعها في خانة الخلاعة. فيديوهات خليعة الكلام، صور خليعة المعنى، حوارات خليعة المنطق وإن خلت كلها من جسد مكشوف، فالخلاعة لا تتمثل في جسد مكشوف، الخلاعة في الواقع تتمثل في عقل مستور ممسوخ. وحين ترد الحكومة فهي أحياناً تصطدم وحديث بعض أعضائها، فنتوه نحن في بيت المرايا الذي نسكنه، هل الحكومة وصاحبها مختلفان؟ هل الحكومة وصاحبها متفقان علينا ويؤديان دوراً مرسوماً؟ هل الحكومة فقدت منطقها وصاحبها فقد عقله؟ لا نعرف، لا نفهم، لكننا نحلل ونفسر حتى نقتل الحدث ونشرب دماءه، لا نحن فهمنا، ولا الحدث تمنطق، ولا شيء حدث. لا شيء يحدث في بلادنا، بلاد المرايا الجميلة الغنية الكريمة، سوى الدوران، سوى النظر في الانعكاسات، نرى صورنا وقد استطالت حد البله أو تفلطحت حد العته، ننتظر رسالة خليعة، تسجيلا بذيئا يفسر لنا هذه الصور وهذه المرايا، وتأتي الرسالة ولا نصدقها، ويأتي التسجيل ولا نفهمه، فنحلل بحماس، ونتداول تحليلاتنا على أنها حقائق، وندور وتدور معنا الشائعات، ولا أحد يفهم، لا أحد يصدق.
لو كنت أنا حكومة ما اتبعت سوى هذه المنهجية، منهجية الثور في الساقية، أدفع بالشعب لأن يدور حول نفسه، ألهيه بالمرايا، يضحك من انعكاساتها، ينبهر أو ينذهل أو يرتعب، المهم أن يبقى يدور وتبقى مشاعره أسيرة الصور، صور المرايا الملتوية المطعوجة المحرفة. نحن في بيت الداخل إليه مفقود، لا خارج منه ولا مولود.