المصيبة يختصرها تساؤل، لماذا لم تصرح المؤسسة العسكرية، وزارة الداخلية أو الجهاز المركزي حول القضية المنتشرة مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تتناول تسريبا خطيراً من القواعد الإلكترونية لمؤسسة أمن الدولة؟ كيف حدث هذا التسريب؟ من المسؤول عنه؟ ما مدى صحة المعلومات المسربة؟ ما مدى صحة الرواية التآمرية على البدون والتي تفضي بسعي أشخاص منفردين متنفذين لوضع قيود أمنية عليهم أو لحرمانهم من الوظائف العسكرية بسبب ضغائن شخصية؟ كيف توضع القيود الأمنية؟ ما الجهة المسؤولة عنها؟ وما قواعد واشتراطات وضعها؟ من الذي اخترق حسابات الأشخاص المتننفذين هؤلاء وسرب محادثاتهم؟ ما الذي سيقع عليهم بعد هذه التسريبات؟ هل سيتم فتح تحقيق وإصدار بيان توضيحي وإنزال عقوبات بالمتورطين؟ هل سترمم الكرامات المبعثرة لضحايا هذه القصة البائسة؟ أخيراً: على إثر هذه القصة الكارثية، هل سيستقيل أحد تحملاً للمسؤولية؟
لربما ما سيطبق علينا هو الصمت التام، ستمر القصة كما مر ما يكبرها ويصغرها سابقاً، ستفوت دون تصريح أو توضيح أو محاسبة، وستتراكم على قلوبنا وأنفاسنا كما طبقات الزيت الخاثر، ننساها ولكن الى حين، فما إن يجدّ جديد يتطلب منا أن نأخذ نفسا، حتى “تبقبق” فقاعات الفساد الزيتية، تخنقنا وتسد منافذ تحركنا وتمنع عنا الخير القادم. هذه هي سنّة الطبيعة، كل فعل له رد فعل، وعليه لا يمكن لفساد مر دون رد فعل مناسب أن يختفي، هو فقط سيرقد في غيبوبة مؤقتة، الى أن تحل كارثة أكبر من كارثته، فنتذكره ونحن نتنفس فقاعات الكارثة الجديدة، ويتراكم الزيت، ويصعد الى أن يغرق الرئتين، يسد الحنجرة، يغلق منافذ الأنف. هكذا تختنق الشعوب التي تمرر فسادها مرور الكرام، التي تتسامح مع قصصها المريبة، التي تتجاهل المعاناة الساكنة في طياتها، التي لا تحاسب ولا تسأل طالما لم تصلها بقعة الزيت، والتي عندما تصلها هذه البقعة سيكون وقتها قد تأخر، تكون قد غرقت وهي لا تدري أنها غرقت.
ليس المطلوب بكثير، هي الحدود الدنيا للإجراءات الطبيعية في الدول المدنية الديمقراطية التي تحترم شعوبها: توضيح أو تصريح على الأقل، وإذا وسعت صدوركم نكون ممنونين لو تكون هناك محاسبة، وإذا أكرمتمونا أكثر نكون شاكرين لو تكون هناك استقالة. لابد لأحد ما أن يتحمل المسؤولية السياسية، ولكن لربما هذا كثير في دولتنا التي لا يستقيل فيها أحد والتي يشتكي رؤوسها بأنهم “مستاؤون” من تراجعها، لذلك سيكون التصريح والتوضيح هو غاية المنى حالياً، لربما يخففان الاختناق ويفتحان ثغرة في الآفاق.