خمسة ملايين ورقة يتحدث عنها السيد الفضالة، كم فيها من خطابات بين الجهاز وأجهزة الدولة المختلفة! كم منها حقيقي مثبت؟ ومنذ متى كان عدد الأوراق المتراكمة مدعاة تفاخر؟ وإذا كان عندك هذا الكم من الإثباتات على البدون، فما سر إبقائهم “بصورة غير قانونية” في الدولة؟
أولاً وقبل كل شيء، هل يعقل أن يقول مسؤول كويتي عن جهازه المدني الإداري “ولي أمر البدون”؟ في الواقع نحن، ناشطين ومهتمين، نتداول فيما بيننا هذه الجملة من باب السخرية تجاه مقدار التحكم الذي هو للجهاز المركزي على رقاب البدون، لكن أن يقولها رئيس الجهاز تفاخراً بعلو سلطته (وهذا واقع) فوق سلطة كل مسؤول في الدولة، بمن فيهم الوزراء في وزاراتهم، فيما يخص شؤون البدون، فهذا ما لم يكن متوقعاً أو متصوراً أبداً.
ولقد ملأ السيد محمد الملا مقابلته مع السيد صالح الفضالة بتعابير “كفو” و”برافو” تعبيراً عن استحسانه لإنجازات السيد الفضالة، إنجازات عبر سبع سنوات، زادت خلالها البطالة بين البدون، ارتفع عدد الأطفال والشباب غير الملتحقين بمقارهم الدراسية، تفاقم الأسى والعذاب بسبب “كمكمة” مشكلة الجوازات المزورة، وتصاعد التعنت بسبب التعهدات المفروضة على البدون والتي بلا توقيعها لا يمكن لك أن تستلم ورقة أو تجدد بطاقة أو تدخل مستوصفاً أو تسحب مبلغاً من حسابك البنكي أو تتنفس هواء.
خمسة ملايين ورقة يتحدث عنها السيد الفضالة، كم فيها من خطابات بين الجهاز وأجهزة الدولة المختلفة؟ كم منها حقيقي مثبت؟ ومنذ متى كان عدد الأوراق المتراكمة مدعاة تفاخر؟ وإذا كان عندك هذا الكم من الإثباتات على البدون، فما سر إبقائهم “بصورة غير قانونية” في الدولة؟ لِمَ لا يتم ترحيلهم؟ ما هي المسؤولية القانونية على السيد رئيس الجهاز وعلى الدولة بأكملها والسيد الفضالة يدعي امتلاكه كل هذه الأوراق الثبوتية على مزورين ومتسللين، حسب ادعائه، دون أن يبلغ عنهم ليخرجهم من دائرة البدون ودون أن تأخذ الدولة أي إجراء بحقهم؟ أليس هذا عبثاً بأمن البلد؟ أليس هذا تستراً على مجرمين؟ كيف يدعي الفضالة عدم وجود بدون واحد في الكويت، ثم يدعي أن هناك من هم مستحقون للتجنيس حسب الشروط والمعطيات؟ أليس في هذين التصريحين تناقض أصلاً؟ كيف يعمل جهاز الفضالة الحكومي القانوني على قسر البدون على توقيع تعهدات بصحة بطاقاتهم ومعلوماتهم قبل حتى الاطلاع عليها شرط تسليمهم إياها؟ هل هذا إجراء قانوني في بلد يحترم القانون؟ هل تعلم عزيزي القارئ بأن عملية استلام أي ورقة في الجهاز المركزي تتطلب من البدون أن يوقع تعهداً بصحة المعلومات التي لدى الجهاز قبل حتى أن يستلم أو يطلع على الأورق؟ قبل أن يستلم أو يطلع، قبل أن يستلم أو يطلع، أكررها علّ عاقلاً يحدثني أنا المجنونة بما يعقل في دولة قانون. هل تعلم عزيزي القارئ بأن إتمام أي إجراء للبدون في أي جهة في الدولة هو اليوم عملية إذلالية تتطلب من المعني (إن لم يكن عليه مؤشر جنسية مسبقاً) أن يقر بجنسية أو انتماء في التو واللحظة وهو يحاول أن ينجز معاملة بسيطة كأن يدخل ابنه على طبيب مستوصف؟ هل تعلم عزيزي القارئ أن الحكومة (من خلال اللجنة المركزية السابقة للجهاز) كانت تشجع البدون على شراء جوازات مزورة بتعليق دعايات مكاتب بيع هذه الجوازات في مقر اللجنة الحكومي، والتي كانت جوازات ذات تاريخ انتهاء غالباًً بخمس سنوات، ليعود بعدها هذا البدون بلا أي صفة، فلا هو ينتمي إلى الدولة التي اشترى جوازها، ولا هو ينتمي إلى فئة البدون؟ هل تعلم عزيزي القارئ أن الأغلبية العظمي من الذين “عدلوا وضعهم” والذين يعلن أعدادهم السيد الفضالة وجهازه بفخر واعتداد ينتمون إلى هذه الفئة المستضعفة التي أصبحت الآن بلا أي وضع أو تعريف في الدولة؟
نعم، يصدر الجهاز بطاقات أمنية وبطاقات صحية، لكن استلامها يكون شريطة اعترافك بجنسية، أن تضع على نفسك مؤشراً لها أو أن توقع “عمياني” على ما يضعه لك الجهاز المركزي في خانتها. نعم أعداد “المعدلة أوضاعهم” تزداد، هي في أغلبية الأغلبية أعداد من يشترون جوازات سفر مزورة بتشجيع من المسؤولين الذين سيتخلون عنهم لاحقاً ويورطونهم بجنسيات لم يروا بلدانها أو يتكلموا لغتها في يوم. نعم لا يمكن أن تتم معاملتك في دولة مدنية إلا ببطاقة صالحة (كما أشار السيد الفضالة في المقابلة) لا نطالب باستثناء ذلك للبدون عن الكويتيين، لكن قبل أن تدعي يا سيد صالح أن القانون هو أداتك العادلة وقبل أن تزغرد له “برافو” يا سيد محمد، أخبرانا عن الكيفية القانونية التي يستلم بها البدون بطاقته وهو مطالب بالتوقيع على صحة معلومات لا يعرفها ولم يستلم أي ورقة بشأنها، هذا قانوني يا سيد صالح؟ هذا فعل “كفو” يا سيد محمد؟
هلا حكيتما أيها السيدان من على مقاعدكما الفاخرة المصفوفة بأناقة في قاعة المقابلة الوثيرة عن الطلبة البدون الممنوعين من استكمال دراستهم بسبب كل معوقات استلام بطاقاتهم أعلاه؟ هلا أخبرتما عن صغار لم يلتحقوا بمدرسة في يوم، لا يعرفون قراءة وكتابة بلوغاً لسن المراهقة، لا يملكون حتى شهادة ميلاد بسبب تعطل أوراق أهاليهم؟ هلا سردتما عذابات أصحاب الجوازات المزورة الذين أخذتموهم بأياديكم إلى عرض البحر وتركتموهم كلهم ليغرقوا هناك؟ هلا خرج علينا أحد من العاملين في قصر نايف (حيث كانت الإعدامات ويا لغرابة المصادفات تجري هناك سابقاً) ليحكي لنا عن الكيفية التي تتم بها مقابلة البدون، عن طوابير الانتظار الممتدة ساعاتٍ وساعات دون رحمة أو تقدير لعمر أو مرض، عن الطريقة التي يطردون بها، عن النصح الذي يوجه إليهم والذي ليس أقله ذلك الموجه إلى الكويتية المتزوجة من بدون (أن تحملي ذنبج أو تطلقي منه)؟ إلا أننا لا بد أن نشكر للسيد الفضالة كرم الجهاز، فهو يوفر (كما ذكر في المقابلة بكل فخر) خدمة الدفن مجاناً من غسل وكفن ونقل وحفر وردم، قواكم الله، أكرمتموهم بالموت البلاش.