في تغريدة تعكس حقيقة مؤثرة في حياة النساء، كتب أحدهم: «الإسلام أباح لك الزواج من أي مسلمة على وجه الأرض.. بل ومن الكتابيات أيضًا.. فإن كانت نساء مجتمعك قد فسدن.. أو لم تجد بينهن الصالحة فوسّع دائرة بحثك.. هناك من تنتظرك وتحرص على أن تسر ناظريك وتسعد قلبك وتكون أمًا رائعة لأبنائك.. أنت من سيدفع.. وهذا حقك الذي كفله الشرع..» الآن لو تلافينا الإهانات الواضحة في التغريدة وتكلمنا حسابيًا ومنطقيًا، فهذه التغريدة محقة ومستحقة، من يدفع هو من يتحكم، هو من يختار، وهو من يعدد الاختيار طالما كان قادرًا على الدفع أكثر. ولو تكلمنا واقعيًا فلا بد أن نقر أن موضوع الزواج يتحكم فيه أكثر من مجرد القدرة على الدفع، فحتى لو كانت المرأة متمكنة ماديًا، لن يكون لها حق الاختيار بصورة واضحة ومباشرة، وفي الواقع، في الأغلب الأعم من الحالات الحياتية، تكون القدرات المالية عند الرجال أكبر بكثير منها عند النساء وذلك لأسباب اجتماعية وسياسية وأيديولوجية تأسست مع تأسس المجتمعات البشرية الذكورية. هذا الفارق في المقدرات المالية هو أحد أهم الجوانب التي خلقت هذه الفروقات الغائرة بين الجنسين، هو الذي أعطى الرجل الصلاحيات الأكثر، وهو الذي جعل المرأة دائمًا وأبدًا في صف الرعية لا الراعي، يتم اختيارها لا تختار، يُقَرر لها ولا تقرِّر.
بلا شك الاستقلال المادي هو قوة عظيمة، لربما القوة الأعظم، في تحديد مواقع السلطة وفي تشكيل الهرم المجتمعي. لا يستقل الأبناء ويمتلكون قراراتهم، على الأقل الذكور منهم، إلا حين يعملون ويستقلون اقتصاديًا، وعلى هذا نقيس وضعية بقية التشكيلات المجتمعية من أصغرها إلى أكبرها. المرأة المسلمة الغنية على سبيل المثال، ورغم كل مواقع الضعف التي تحكم حياتها بداية من موقعها كموصى عليها من الذكور في عائلتها ومرورًا بعقد الزواج التي يملِّكها لرجل آخر ووصولًا إلى بقية القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية وغيرها من القوانين المبنية عليها والتي تجعلها دائمًا مستضعفة مجتمعيًا معتمدة على إرادة رجل ما يحكم حياتها، أقول رغم كل ذلك، هذه المرأة الغنية هي في الغالب أقوى في حياتها الاجتماعية وأكثر قدرة على تسيير مجرى حياتها، على الأقل هي قادرة على الخروج من زواج مؤذ، ولو بعد معاناة قانونية، دون التفكير في العبء الاقتصادي، دون أن تربطها حاجتها المادية إلى زوج يؤذيها أو يضطهدها أو يتعس حياتها.
في جلسة نسائية جمعت بعض الصديقات، أعلنت إحداهن على إثر حوار لنا حول مصاريف الزواج أن «خليه يصرف، أريد أن أكون أميرة». استوقفتني جملتها رغم أنها من أكثر الجمل تكرارًا وكليشيهية، لربما أتت المفاجأة من شدة كليشيهيتها التي لم تتبينها صاحبتها ولم تحاول حتى التعديل عليها. دون تدبر، سارعت أنا في شرح أهمية فكرة الاستقلال الاقتصادي ومشاركة المرأة في الأعباء المالية، حيث أشرت إلى أن مفهوم مسؤولية الصرف المالي المناط بها الرجل هو مفهوم ظاهره رحمة وباطنه عذاب، ذلك أنه فيم هو يحمل الرجل المسؤولية المالية، هو كذلك ينعم عليه بكل القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث ستكون لهذا الرجل الوصاية والولاية، في بيته وفي المجتمع، وسيكون له حق الطاعة، وعليه ستكون، مجتمعيًا، كل القوة السياسية في يده وستدور كل المحاور الاقتصادية حول قراراته، وستكونين أنت تابعة مؤتمرة مفروض عليك الطاعة والانقياد، فمن يصرف الأموال يصنع القرارات، هذه قاعدة عالمية، تنطبق حتى على المؤسسات الضخمة والدول بمجملها كما هي منطبقة على الأفراد البسيطين. غامت عين محدثتي وظهر التوتر على وجهها، فتذكرت مباشرة تخيير سيمون دوبوفوار للنساء: هل تردن السعادة أم العدالة؟
لم تساندني سوى واحدة أو اثنتين من الصديقات، أتصور أنهن كلهن فضلن سعادة الراحة على عدالة المساواة والقدرة على صنع القرار. إلا أن الموضوع ليس أبدًا بهذه البساطة، ومتى كانت خيارات النساء بسيطة واضحة ممهدة السبيل؟ هناك الكثير الذي لا بد وأن يدخل في الحسبة قبل أن نسارع في لوم النساء على تفادي المساهمة المالية ومحاولة استغلال هذه الميزة البسيطة التي تمنحها القراءة الدينية والعادة المجتمعية لها، هناك الكثير من الأفكار التي تشكل وقائع الحياة التي تحتاج لتغيير جذري عميق قبل أن نطالب النساء بدفع ثمن العدالة المستحق. في هذا، وفي موضوع «فساد النساء» الذي ورد في التغريدة، سأتحدث في مقال الأسبوع المقبل.