لقد وصل المواطن العادي في منطقتنا العربية إلى درجة مرعبة من التوحش واللا أخلاقية في التفكير مدفوعاً، ليس فقط بانحطاط قيمة الإنسان في منطقته، ولكن كذلك بيأس خلقته الحكومات في عقله وقلبه، فلم يعد الإصلاح ممكناً إلا إذا تخلصنا من “البشر الخربانين”، فهل سنصلح ونعيد التأهيل ونستثمر ونعالج؟ من عنده العمر والصبر؟
تتعامل منطقتنا الشرق أوسطية مع القوة البشرية باستمرار على أنها عبء ثقيل، فهذه أفواه تطعم وأجساد تكسى، هذه أعداد تحتاج لوظائف ومساكن وخدمات، هذه أصوات تزعج وآراء تتعدد وعقول تتباين، ليس البشر في إقليمنا سوى عبء على حكوماتهم، أرقام تحصى بامتعاض، حتى لأصبح الناس أنفسهم ينظر بعضهم لبعض على أنهم عبء وعالة، يعتقدون “الآخر” فماً إضافياً يسرق اللقمة وجسداً إضافياً يحتل المساحة وكياناً إضافياً يسابق إلى الوظيفة.
في الكويت، ينظر إلى بدونها على أنهم عالة، أعداد إضافية تريد أن تتقاسم والكويتيين الخيرات، وبخلاف وحدتهم التاريخية الحقيقية مع الكويتيين، فإن الدولة لا تلتفت حتى إلى حقيقة أنهم يد عاملة، وعقول فاعلة، وأجساد حامية تدعم أعداد الكويتيين، تدعم قوتهم البشرية وتزيد من سماكة “نسيجهم الاجتماعي” الذي أزعجونا به. في لبنان، يتم التعامل مع اللبنانيين على أنهم إضافة ضاغطة على البلد، يستهلكون كهرباءه التي أصبح تدفقها رفاهية غير متوافرة للجميع، اللبنانيون يثقلون على وظائف البلد وخدماته، يزحمون شوارعه ويستهلكون موارده، وهكذا طردت الدولة أبناءها وأصبح عدد المهجرين أكبر من عدد السكان، وصولاً إلى خمسة عشر مليون مهاجر لبناني هم، بعقولهم وعلمهم وكفاءاتهم، ثروة مهدرة ومهداة، دون مقابل، للمجتمعات الأخرى.
ولربما مقال نصار عبدالله “أطفال الشوارع: الحل البرازيلي” الذي نشر في الجريدة الإلكترونية “المصري اليوم” يوم 20 يونيو، والذي حذفه الموقع بعد ساعات من نشره، يمثل قمة الهبوط الفكري في التعامل مع الكيان الإنساني في عالمنا الشرق أوسطي. يشير الكاتب في كتابته إلى الحملة المتوحشة التي شنتها الشرطة البرازيلية في تسعينيات القرن الماضي على أطفال الشوارع “تم من خلالها إعدام الآلاف منهم بنفس الطريقة التي يجري بها إعدام الكلاب الضالة توقياً للأخطار والأضرار المتوقعة منها”، مشيراً في بداية مقاله إلى تشابه الحالة المصرية حد التطابق مع الحالة البرازيلية ليس فقط اجتماعياً ولكن اقتصادياً كذلك، ويلمح الكاتب بشكل مباشر إلى أن الحل يكمن في قيادة سياسية قوية لربما قادرة على اتخاذ مثل هذا الإجراء والتصدي لأي أصوات تحتج عليه.
لقد وصل المواطن العادي في منطقتنا العربية إلى درجة مرعبة من التوحش واللا أخلاقية في التفكير مدفوعاً، ليس فقط بانحطاط قيمة الإنسان في منطقته، ولكن كذلك بيأس خلقته الحكومات في عقله وقلبه، فلم يعد الإصلاح ممكناً إلا إذا تخلصنا من “البشر الخربانين”، فهل سنصلح ونعيد التأهيل ونستثمر ونعالج؟ من عنده العمر والصبر؟ نحن نعيش في منطقة منكوبة يمر فيها الوقت أسرع من بقية العالم، وأحياناً لا يمر عليها الوقت مطلقاً، وفي الحالتين، سواء قصر الوقت علينا أو تجمّد تماماً فوق رؤوسنا، فهو ليس في مصلحتنا، ولا يسمح لنا أن نستثمر في الإنسان، الخربان نرميه، والتعبان نركنه، والزايد نصفيه، وكل واحد يقول يا الله نفسي والبقاء للأقوى.