لا تلعبي معه الشطرنج سيدتي إذا كنت في علاقة طيبة مع شريك حياتك، لا داعي للمناورات، الشطرنج علاقة حرب لا حب، وأنت في علاقة حب لا حرب. لا تترقبي وتراقبي كأنك مخبر سري، لا تخططي كأنك رئيس أركان جيش، لا تتشككي كأنك عالم في معمل، أنت في علاقة ليس لها شبيه، لا تنطبق عليها أي من القواعد المنطقية أو القوانين الفيزيائية، لا يمكن حساب أرباحها وخسائرها بالورقة والقلم. أنت في علاقة تستدعين لها قلبك وعقلك وثقتك، وتعيدين من أجلها كل حساباتك، فأرباحها وخسائرها مختلفة جدًا، وقواك وضعفك فيها لهما حسابات مختلفة تمامًا لا ترضخ للقوانين الطبيعية.
شكلت الطبيعة والمجتمعات النساء في دوائر، كل حياتنا تلتف في دوائر حتى البيولوجية منها، إلا أنك لست ملزمة باللف والدوران يا صديقتي للوصول إلى هدفك ولتحقيق أرباح أكثر في العلاقة مع شريكك، فطبيعة الشركة المقامة بينكما لا تحتمل كل هذه المناورات. ليس أسوأ من النصح القديم الذي كنا نسمعه، أن أخفي قوتك وأظهري ضعفك إلى أن تنالي مرادك، ليس أسوأ من أن تكوني له أمة ليكون لك عبدًا، أي علاقة هذه التي يهدف أصحابها لاستعباد بعضهم بعضًا فيها؟ كوني واضحة وصريحة وقوية ومباشرة، حاولي أن تحققي هدفك النفسي والحياتي من هذه العلاقة دون التعدي على هدف شريكك ودون حسابات الربح والخسارة، فأجمل الأرباح وأثمنها تتحقق أحيانًا من أقوى العطاءات، من التفهم والتسامح والمغفرة، من تلك القوة الجبارة في داخلنا، نحن النساء، على فهم ضعف الآخر والتعاطف معه.
لو أنك فقط تخلعي معطف «المخبر» هذا الذي تلبسينه في علاقتك طوال الوقت، لو أنك تصمي أذنيك عن نصائح الأخريات وملاحظاتهن. أي علاقة تلك التي تعيشين وأنت تخططينها كما تقول لك صديقتك على أساس مراقبة شريكك، تفتيش محتوى هاتفه، وتشمم ملابسه، ومراقبة تحركاته، في حالة من تقديم سوء الظن الدائم جاعلة من شريكك متهمًا إلى أن تثبت براءته؟ كل الرجال خونة، يسررن إليك، فتتراكضين بعبء هذه المعلومة السامة، تشكين في شريكك، تراقبينه، تلزمين جانبه كما الأستاذ أثناء الامتحان حتى لا تزوغ عيناه ويفلت قلبه، تتحول حياتك شيئًا فشيئًا إلى معاناة أنت خلقتها بنفسك، حالة مفرغة من الشك والعذاب والتقيد أنت من شكّلتها وقرّرتها على نفسها.
تغيب عنك متع الدنيا، يثقل قلبك وتزداد همومك وينشغل عقلك، وأنت تدورين في حلقة مفرغة صنعتها النساء لتحتفظ في داخلها بالرجال، صنعتها هؤلاء النسوء في زمن ضعف ومعاناة لنستمر نحن ندور فيها حتى وإن بدأ الزمن خطواته الأولى في إنصافنا. لماذا تعيشين حياتك في شك وتقدمين سوء الظن؟ إذا رأيت منكرًا ادخلي ساعتها الدوامة، ولو أنني أرى أن تتركي المنكر وصاحبه وتفلتي بجلدك، ولكن لمَ تستقدمين هذا المنكر أساسًا وتتوقعينه؟ لم «تدعبسين» خلفه وتذهبين كل هذه المسافات لاكتشافه ثم التعذب به؟
ولو أنك تخلعين ثوب المحاسب الذي تلبسينه فوق معطف المخبر في علاقتك طوال الوقت، لو أنك تصمي أذنيك عن ابنة خالتك التي تنصحك بضرورة أن تفصلي أموالك، وأن تضمني حقوقك، وأن تسجلي السيارة باسمك، وأن تحتفظي براتبك كله لنفسك، فهو الرجل وهو المسؤول عن مصاريف البيت، ولم تفهم ابنة خالتك الذكية هذه أن صاحب المسؤولية المادية هو صاحب القرار والقوامة، وأنك لن تكوني شريكًا مساويًا ومتساويًا إلا إذا تحملت المسؤولية متساوية كذلك، وأن شريكك لن ينظر إليك على أنك إنسان كامل الأهلية ولست قاصرًا يحتاج ولي أمر إلا إذا تصرفت على أنك كذلك وتحملت مسؤولية ذلك. أنت تعيشين حياتك وتبيتين لياليك بجانب هذا الرجل، ومع ذلك لا تأمنين على أموالك منه؟ وهل أموالك أعز من سني عمرك التي قدمت له أصلاً؟
نجلس نحن النساء في دوائرنا الغامضة، تدور أطباق الحلو وفناجين الشاي والقهوة العربية، يخرج الكثير من المرار الحقيقي، وتتوالى الكثير من النصائح المعجونة بطعم هذا المرار، نصائح لا تزيد الطين سوى بلة. وحتى هؤلاء منا اللواتي حباهن القدر بحظ أفضل، يقدمن سوء الظن ويُفعّلن الموروثات المريرة ويجهزّن الدواء قبل المرض. لربما هو تاريخ قمع وألم طويل ذاك الذي خلق الشكوك وعدم الأمان، لربما هي موروثات مجتمعية ودينية جمعية تلك التي أقنعت المرأة بدور القاصر الملزم زوجها بطلباتها والمدفوعة هي للمناورة والمداورة لتحقيق هذه الطلبات. لربما هي تلك الشراكة غير المتوازنة التي خلقت تلك العلاقة غير المتوازنة، التي يصبح فيها الشريك سلطانًا شكليًا، وتصبح فيها المرأة جارية نافذة، هي التي تحرك، أو تسعى لأن تحرك، البلاط كله من تحت أنف السلطان. هذه المعادلة ثمنها فادح، تدفع فيها المرأة من راحتها وهدوء بالها وكرامتها وتساويها الإنساني.
اسمحي لي بأن أثقل عليك، ولا أثقل على الإنسان من النصح، إن أحببت ورأيت في من أمامك مستحقًا لمحبتك فأمنيه وآمني به، ذاك أصح لك نفسيًا وحياتيًا، تحملي مسؤوليتك وقفي على قدميك ولا تلعبي دور القاصر التي تستحق الرعاية المالية طالما قدمت فروض الولاء والطاعة ولو تمثيلاً. كوني حقيقية يصبح شريكك حقيقيًا، آمني بمساواتك فلا يملك شريكك سوى أن يؤمن هو بك كذلك. وأهم شي، صمي أذنيك عن ابنة خالتك، خذي رأيها في فستانك لا في علاقتك، وخففي عنها، فلا تنصح بهذا القدر من الغل والحماقة سوى المغدورة المتألمة.