كان لماري وولستونكرافت، الكاتبة والمفكرة الإنكليزية من القرن الثامن عشر، موقف معارض بقوة من الزواج، حيث كانت ترى أن منظومة الزواج ما هي إلا صيغة لتحويل ملكية المرأة من رجل إلى رجل، إلا أنها كانت ترى أن ضرر هذه المنظومة يذهب لأبعد من ذلك بكثير، حيت تعتقد أن الزواج يخلق ليس فقط بيئة هشة للمرأة ولكن عقلية هشة كذلك. فالمرأة في منظومة الزواج لا يمكنها أن تبدع وهي تتنقل من مسؤولية لمسؤولية في ظل نظام صارم ظالم يضعها في المرتبة الدنيا من الحقوق والعليا من الواجبات. كما وأنها ترى أن عملية الزواج بمجملها تخلق فكراً سطحياً في المجتمع النسائي من حيث خلق هدف «الزوج الثري» للنساء وما يستدعيه هذا الهدف من هشاشة وتمثيل وتحمل وإهانة. لا تعتقد وولستونكرافت أن منظومة الزواج حتى بإدعاء الحب الكامل والإحترام المتبادل هي قادرة على تغيير «طبائع الحياة»، فلا يكفي أن تُلصق بهذه المنظومة كلمة «حب» حتى تصبح عادلة، فهي بنيت، وتستمر مبنية، على علاقة الخادم والمخدوم بين المرأة والرجل.
لربما ميري وولستونكرافت ما كانت لتفاجأ من إستمرار علاقة المخدومية هذه بين الرجل والمرأة في الزواج المعاصر، فعلى الرغم من تغيّر الوجهة الخارجية للزواج، وتزيينه بالكثير من الصور العصرية البراقة، يبقى في عمقه مؤسسة أبوية ترعى مصالح الرجل وتضعه على قمة الهرم الإجتماعي. أحد أهم أسباب هذا التمييز الجنسي هو المال، وهو سبب تساهم النساء في تقويته في الكثير من الأحيان من حيث إصرارهن على الحصول على «ميزة إستحقاق الصرف» وما تشمله هذه الميزة من مهر وشبكة وهدايا وحق مصروف البيت لاحقاً وحقوق مؤخر الصداق وغيرها. هذه الحقوق ذات الظاهر الرحيم لها باطن حارق معذب، فهو يضع الرجل، بحكم مسؤوليته المادية، في موقع القيادة والسيادة، وهو، أي تحديداً هذا الجانب المادي، هو ما يعزز الفروقات بين الجنسين حقوقاً متراكمة للرجل ومسؤوليات تعسفية على المرأة.
أحد أكثر حقوق الرجل تعسفاً وإهانة للمرأة هو حق الطاعة، والذي يشتريه الرجل بحر ماله الذي يصرفه على بيته وأهل بيته كما يتبدى من العلاقة بصورتها الحالية. هذا الحق، والذي يوازيه الكثير من المخططات والمؤامرات النسائية لإخضاع الرجل، من دون علم منه، لرأي الزوجة وقراراتها، هو ما يصيغ مؤسسة الزواج مؤسسة تآمرية تنافسية قفصية، على ما نصفها، لا يحكمها الحب والإحترام والألفة والرغبة في شريك حقيقي مساو ومتساو، بل تحكمها صراعات قوى ظاهرة وباطنة، وعقود مالية، ومؤامرات خفية، حتى أصبح الوضع في بعض الحالات الزوجية هو بيع وشراء بحت حتى للحق الجسدي، والذي هو إجتماعياً وشرعياً حق خالص للرجل بحكم «عقد زواج» نُصّ فيه على «قيمة مالية».
تلك صورة داكنة بلا شك، لربما أكثر ظلاماً من واقع الكثير من العلاقات الزوجية، الا أن هذه العلاقات في الواقع ترتكن في معظمها على هذه المعادلة المؤذية المهينة. فهل من سبيل لإصلاحها، وهل يمكن تحقيق شراكة وجدانية حقيقية حياتية يكون فيها الطرفان متساويين، بل وأكثر، يكونان قادرين على إحترام حريات وحقوق الطرف الآخر، من دون أي تكبيل أو ضغوط؟ هل يمكن للطرفين، أن يقدما فعلاً على ما يريدان من دون أي شعور بثقل أو حمل أو مسؤولية نفسية وحياتية تجاه الآخر؟ هل يمكن للزواج أن يكون مؤسسة مريحة للعيش إذا ما كانت فيها أية درجة من درجات المسؤولية تجاه الآخر؟ هل تخلو أية علاقة إنسانية في الواقع من هذا التكبيل وتلك المسؤولية؟
لربما السؤال يتسع عن حيز العلاقات الزوجية إلى حيز العلاقات الإنسانية العامة، ولربما لن يكون من الممكن تحويل منظومة الزواج لمنظومة مثالية، والتي قد تنتهي بجلها قبل حتى الوصول بها لدرجة مقبولة من العدالة والموازنة، ولكنها تبقى منظومة دافئة، نركن إليها ونتعكز على زواياها، من أطفال وأحفاد وأسر ممتدة ومتشعبة، حتى لتصبح هذه الأسرة هي كل ما يستحق في الحياة. لم أكن تحديداً أعرف كيف سينتهي هذا المقال، لربما وصل بي لحل وسط على كراهيتي لهذه الحلول الوسطية، أن نقر بالزواج قفصاً، لكن نطوره ليصبح بلا باب.